د.عيدة المطلق قناة
منذ أن أطلقت الحكومة مشروع قانون الانتخاب الجديد والجدل السياسي أخذ بالتصاعد . لقد أستثار هذا المشروع عاصفة من الانتقادات والاتهامات.. حتى ولد حالة من الإرباك في هذا المرحلة الحرجة بكل ما تشهده من ظواهر التأزيم والتوتير والتراشق الإعلامي والنزق السياسي والانفعال غير المحمود ..
ربما ظنت الحكومة حين فصلت قانونها ليستهدف الحركة الإسلامية بالتحجيم والإقصاء .. أن سيأتها بعض المتاعب من الحركة الإسلامية ، ولكنها ستنال رضى باقي المكونات المجتمعية والسياسية مما يمكنها من تمرير مشروعها بيسر وسهولة رغم ما حملته من صواعق التفجير ..!! إلا أن الظنون الحكومية ذهبت أدراج الرياح .. فجاءت العاصفة بما لاتشتهي السفن إذ هبت من كافة القوى والمنظمات والأحزاب والشخصيات الوطنية.. لم يوفق هذا المشروع في إرضاء أي شريحة اجتماعية أو سياسية فرفضه الاسلاميون والوسطيون والقوميون واليساريون والعشائريون ..كما رفضته الجبهة الوطنية للإصلاح والتجمع الشعبي للإصلاح وحتى من يطلق عليهم لقب الأغلبية الصامتة خرجت عن صمتها وأعلنت رفضها له.. وبذلك فإن المجتمع الأردني لم يسبق له أن أجمع على قضية كإجماعه على رفض "مشروع قانون الانتخاب" .. مما فاجأ الحكومة وأربك أداءها وانعكس هذا الارتباك في تصريحاتها ودفوعها الخجولة عن مشروعها .. لقد وصف الأردنيون مشروع الحكومة هذا بأقذع الصفات .. [ ومما قيل فيه – على سبيل المثال لا الحصر - أنه مولود مشوه .. صادم ..مخيب للآمال .. صفعة للوطن .. كابوس .. استفزاز للشعب الاردني .. حاشد بمحطات التزوير .. مجحف وإقصائي بحق الأحزاب .. ومعاكس لرغبات الأردنيين.. إعادة تدوير غير موفقة لقانون الصوت الواحد الذميم الذي أنتج أزمة ثقة .. واستثار النعرات بعناونيها المتعددة.. وأعمل في النسيج الاجتماعي تفتيتاً وتفكيكاً وتشويهاً .. وساهم في رفع وتائر العنف المجتمعي وانتهاك السلم الأهلي !!] .. وكل صفة من هذه الصفات تكفي لسحبه من التداول ففي ظل هذا الإجماع الشعبي على الرفض فإن النقاش فيه غير منتج .. فإن أصرت الحكومة على تمريره فإنما تكون قد أغلقت باب الإصلاح !!
وإذا ما أصرت الحكومة على تمرير مشروعها فإنها بذلك تؤسس لمواجهة ساخنة بين مكونات المجتمع .. مما سيرتكس بالحياة السياسية خطوات واسعة إلى الوراء ، وسيقتل ما تبقّى من حياة حزبية بل لن يفرز سوى مجلس نيابي هزيل لا يعبر عن أحد .. !!
لقد جاءت الحكومة الحالية على وعد الإصلاح واسترداد الولاية العامة .. ولكنها لم تقدم خطوة في هذا الاتجاه .. .فهي لم تنجح في بسط ولايتها الدستورية .. أما مشاريعها الإصلاحية فجاءت ترقيعية والتفافية على إرادة الأردنيين وتفتقر للرؤية الشمولية وبذلك فهي لن تحقق الاستقرار ولن تسمن إصلاحاً ..
أما عن الولاية العامة فإن مجرد الدفاع الحكومي المرتبك عن هذا الاختراع العجيب .. وما سبقه من "مشاريع إصلاحية" فإن الحكومة تؤكد بأن هذه المشاريع لم تكن من صنعها .. بمقدار ما هي من صنع أجهزة ودوائر وقوى الشد العكسي .. وربما بعضها قوى خارجية .. وفي كل مرة وأمام كل أزمة تؤكد الحكومة بأنها "شاهد ما شافش حاجة" ..
ما آلت إليه الأوضاع يطرح على الحكومة العديد من الأسئلة :
· ما هي أسباب ارتفاع منسوب الغضب والاحتقان الشعبي ، وبالتالي ارتفاع سقوف المطالبات والشعارات ؟؟ ..
· كيف ارتضت / ترتضي الحكومة بأن تكون واجهة لتمرير معالجات بائسة وخطيرة تنتمي لأنظمة عربية فاشلة سقط بعضها وبعضها الآخر بالانتظار..؟
· فأي مصلحة للحكومة يمكن أن تتحقق بتحجيم القوى الفاعله في المجتمع وافتعال الصدام معها ؟؟ ..
· أي إصلاح يتحقق بالتأزيم ومقاطعة الانتخابات التي باتت الخيار الرئيس لكافة القوى التي أعلنت رفضها للقانون ؟
· وهل مهمة الحكومات المتعاقبة بعامة وهذه الحكومة الإصلاحية بخاصة الإبقاء على حالة التوتر والمراوحة في الأزمة حتى إنهاء الحراك أو الربيع الأردني ؟؟
لعل أخطر ما كشفته الحكومة من خلال مشروعها الانتخابي يتمثل في نوايا النظام لوقف الحراك الشعبي .. وتتجلى هذه النوايا بين حين وآخر بالمعالجات الحكومية الفظة وغير القانونية وغير الإنسانية .. وفي قمع شباب الحراك بالعنف الجسدي المفرط وتلفيق التهم والزج بهم في السجون.. وممارسة أشكال من الإيذاء النفسي والجسدي وإهانة الكرامة..مما يعيد للإذهان مرحلة الأحكام العرفية!!
إن أكثر ما يحتاجه الأردنيون اليوم هو جرعة إصلاحية كبيرة تعيد ترميم الثقة المفقودة .. وتعزز استقرار الدولة الأردنية، وتؤمن وحدة نسيجها المجتمعي، وتدفع بحياة سياسية وبرلمانية فاعلة، كما تؤمن المشاركة لكافة القوى السياسية والاجتماعية والفكرية .. !!
وحتى ذلك الحين لا بد من التأكيد بأن المواقف السياسية مهما تعددت أو اختلفت إلا أن حقوق المواطنين وكرامة الأردنيين تظل الخط الأحمر الذي لا يمكن السكوت عنه أو التسامح فيه !!
eidehqanah@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق