الأربعاء، 18 مايو 2011

الثورات العربية بين الانجاز والاستعصاء

الثورات العربية بين الانجاز والاستعصاء
د. عيدة المطلق قناة
الانتفاضات الشعبية العربية - منذ شرارتها الأولى في تونس .. تمكنت من تحريك آلام كثيرة .. وفي الوقت نفسه نجحت في بعث آمال كبيرة ..
إن شعوب هذه الأمة رغم معاناة السنين من القطيعة والتدابر والاحتراب وجدت نفسها أمام معاناة واحدة وإن اختلفت أو تباينت في تفاصيلها الصغيرة.. فشعوب هذه الأمة تعاني من استبداد طال أمده .. ومن فساد عز نظيره .. ومن نشوء طبقة طفيلية قشرية استحكمت فأثرت على حين غرة.. أدارت البلاد وتسلطت على العباد.. و نهبت الثروات وبددت المقدرات .. وجمعت كل السلطات بقبضة واحدة ( سلطة المال والنفوذ) .. وأنشأت حولها طبقة من المريدين والمحاسيب والآزلام .. مقابل تهميش الكتلة الاجتماعية الأكبر .. وأحاطت نفسها بأجهزة فاسدة ومفسدة .. قمعت كل أشكال التعبير .. وتجسست على الناس .. وأخذت تعد عليهم أنفاسهم .. وزرعت الفتنة والشك بين مكونات المجتمع .. وحالت دون قيام جماعات أو كتل اجتماعية وازنة ومؤثرة .. !
مجتمعاتنا كلها تتكون من شباب يشكلون الكتلة الأكبر في المجتمع .. جلهم من خريجي الجامعات .. وجلهم يعانون بطالة مرتفعة ومتصاعدة .. ومن ضيق شديد في الفرص الاقتصادية .. فضاقت خياراتهم الحياتية والسياسية.. واضطربت أوضاعهم ..وحين يضطرب حال الشباب تضطرب المجتمعات بأسرها .. وها نحن اليوم أمام قلق شديد يعم المنطقة .. شعوب مفقرة مجوعة .. وشباب معطل .. فقد الأمل بمستقبل كريم .. أو بعدالة أي عدالة ..

ورغم ما في المشهد العربي من آلام وانسداد فإنه على الجانب الآخر هناك الكثير والكبير من الآمال .. فالثورات العربية حركت الآسن من هذه الأوضاع .. وتمكنت بما حققته من منجزات رائعة من تجاوز زمان اليأس الآخذ في الأفول ..
اليوم نحن أمام حراك شعبي عام ..أمام شباب عربي اكتشفوا ذواتهم الجمعية .. واكتشفوا أن آمالهم وآلامهم واحدة .. واكتشفوا أن ذات الموقف الذي يبكي الموريتاني يبكي في اللحظة ذاتها الأردني والحضرمي .. وأن ذات الانجاز الذي يسعد التونسي .. يشيع الفرح في اللحظة ذاتها في المصري واليمني والسوري ..
نحن اليوم أمام شباب عربي خرج على كل شروط الردة والفرقة والانقسام .. وراح يردد نفس الشعارات وينشد ذات الأهداف في الحرية والوحدة والكرامة والعدالة الاجتماعية والدولة المدنية دون أن ينسى فلسطين..

شباب وجد أنه - بالرغم من انحسار الاستبداد في العالم لصالح نظم حكم ديمقراطية- إلا أن أوطانه وأمته مازالت تخضع للاستبداد...
إذ حين فوجئت الأنظمة بالاحتجاجات العفوية والسلمية تأتيها من شرائح لم تكن في حسبانها .. سارعت للجوء إلى أسلوب القمع، والعقاب الجماعي، .. وتقديم وعود بإصلاحات شكلية تضمن بقاء النظام والمؤسسات الأمنية..
راحت هذه الأنظمة تتخبط في ردات أفعالها ..ففقدت صوابها أمام فتية يتداعون للتظاهر بكل الوسائل الحضارية.. فأطلقت أجهزتها الأمنية المتكاثرة .. وبالغت في القمع .. وراجت تحاصر المدن وتمنع عنها الماء والكهرباء والاتصالات ..وتمنع الغذاء والدواء .. وتقتحم المدن والبلدات بالدبابات ..وتحظر التجوال فيها .. وبذريعة استعادة الأمن المفقود .. وتأديب المتمردين والعملاء والمأجورين والسلفيين .. استباحت النهب والسلب وتخريب الممتلكات ..
وتركت لجهاز البلاطجة / أو الشبيحة يعيثون بأمن المواطنين فساداً .... وتركت للقناصة تدبر أمر الناس .. فكل الناس ( شيوخاً وشباباً .. نساء وأطفالاً ) سواسية أمام القنص والتعذيب والتنكيل والاعتقال والاغتصاب وإطلاق الرصاص العشوائي على كل من يتحرك..

في وطننا العربي الكبير بات مشهد الجثث المتناثرة في الشوارع العربية والطرقات العربية مألوفاً واعتيادياً .. وانتشرت المقابر الجماعية في هذا الوطن الكبير .. منها ما تم الكشف عنه ومنها ما يزال مجهولاً ..

ولكن رغم كل هذا الانسداد فقد تحققت منجزات كثيرة منذ ابنثاق الربيع العربي المبشر بالحرية والكرامة من مشارق هذا الوطن وحتى مغاربه.. إلا أن اندفاعة الإنجاز أخذت تواجه الكثير من الاستعصاء .. وبات يتطلب الكثير من الصبر والتضحيات .. فهذه القوى الحية التي تنشد التغيير ..تواجه اليوم بأبشع أشكال القمع والاستئصال .. من قبل قوى متكلسة فاسدة ترفض التغيير والإصلاح، وتحاول الالتفاف على المطالب الشعبية ..
لقد أكدت ثورات العرب أن لدى شعوب هذه الأمة مخزوناً هائلاً من القيم والمثل والأخلاق .. أكدت قيم التعاون والانضباط وقبول الآخر بعكس ما أكدته ممارسات وسلوكيات الأنظمة .. وعليه فإنه رغم حالة الاستعصاء والانسداد..وما فيها من مراوحة بين مد وجزر ..ورغم ماسال على ضفاف هذه الثورات من دماء وتضحيات فإن هذه الحالة الثورية الشعبية العربية هي أهم منجز تاريخي للعرب في العصر الحديث .. وحين يستكمل حلقاته وتحقق أهدافه فإن الأمة هي التي تحدد شخصيتها الحضارية والإنسانية ..وهي وحدها من تحدد هويتها وأهدافها .. وهي وحدها من تختار موقعها بين الأمم ودورها بين الأمم.. !!
eidehqanah@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق