المصالحة الفلسطينية .. ومصر الجديدة
د. عيدة المطلق قناة
أعوام عجاف مرت على الانقسام الفلسطيني .. وشهدت أخطر التحولات على مسار القضية الفلسطينية .. فعلى غزة شنت حرب " الرصاص المسكوب" بكل مخرجاتها الكارثية وما فيها من كلفة إنسانية .. وحصار مشدد فرض على غزة صهيونيا ومصرياً .. وفي القدس توحش في الاستيطان والتهويد... وتعمقتر معاناة الناس .. وكل هذه التراجعات الخطيرة لم يسهم في إنهاء الانقسام بل عززته وأطالت أمده ..
على الصعيد الإقليمي فقد شهدت العقود الثلاث الأخيرة غياباً وتغييباً لدور مصر .. ولعبت خلالها "مصر مبارك " دور العصا الأمريكية لتطويع المنطقة وقواها المقاومة - مقابل لاشيء- .. وانعكس غياب مصر على مجمل الأوضاع الإقليمية فحين غابت مصر، غاب العرب.. وحين رضخت مصر ، رضخ العرب .. وحين نهضت مصر نهض العرب !!
وأما على صعيد "التسوية" لم تتحقق أية انجازات تذكر.. بل في نهاية عام 2010 كشف موقع (ويكيليكس) عن نحو 1500 وثيقة غير رسمية (للمحادثات مع إسرائيل حملت في طيّاتها تنازلات للطّرف الإسرائيلي بلا مقابل .. وبالمقابل فإن "إسرائيل" لم تنفذ أي من التزاماتها .. فلا أوقفت الاستيطان .. ولا أوقفت الحروب والاقتحامات والاعتقالات .. بل نفذت خطة استيطان وتهويد شرسة في القدس ومحيطها ناهيك عن ما أصدرته من تشريعات تكرس يهودية الدولة وتشرعن عملية الترانسفير ..
وأما على صعيد الانقسام .. فإن إسرائيل سعت بكل ما تستطيعه من ضغوط وابتزاز للسلطة لتكريس الانقسام .. ولعب " نظام مبارك " دور الوكيل في تشديد الحصار، وتضييق آفاق المصالحة .. فجعل هذا النظام من "الورقة المصرية" للمصالحة نصاً مقدساً لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه... مما جعل الاتفاق أمراً بعيد المنال !!
وتأكيداً على ذلك أعلن "خالد مشعل" ( رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بتاريخ 13/6/2010 ) عن ثلاثة عراقيل تحول دون المصالحة وهي: الفيتو الأمريكي، وشروط الرباعية (التي تم تكريسها وتحصينها في الورقة المصرية ) وسلوك السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة .. واعترف بما قاله مسؤولون عرب من أنه ، "لا مصالحة ولا تعديل على ورقة المصالحة إلا إذا قبلتم بشروط سياسية تساوي شروط الرباعية، ومفتاحها أن تعترفوا "بإسرائيل".. عندها أكد مشعل بأن المقاومة الفلسطينية " لن تدفع ثمنا سياسيا مهما طال الحصار وازدادت العقوبات" ..
وما هي إلا بضعة شهور على هذه التصريحات حتى سقط "نظام مبارك" ..وبعد فترة التقاط الأنفاس أخذت مصر تعود لأمتها وتتألق بهويتها الحضارية ودورها القيادي في الأمة .. وبدأ العرب يعودون لكنانتهم بحلتها الثورية الجديدة !!
بسقوط "نظام مبارك" .. سقطت تابوهات ورهانات كثيرة على "تأبيد تهميش دور مصر وتكريس عزلتها عن محيطها الإقليمي" .. وسقطت كافة استعصاءات المصالحة الفلسطينية..
ها هي "مصر الجديدة " وقد بدأت بالخروج من العباءة الأمريكية ، تستعيد دورها ومكانتها .. وانتفضت على كل أشكال الابتزاز الصهيو – أمريكي .. واستجابت ولأول مرة لإعادة فتح الورقة المصرية للنقاش .. وقبلت بتعديل النصوص الإشكالية دون أن تضع العصا الصهيو أمريكية في دواليب الاتفاق .. وكسرت حاجز الاستعصاءات من هذا الطرف أو ذاك ؟؟
وما أن تم توقيع اتفاق المصالحة.. حتى تحولت المواقف وانتقلت "إسرائيل" من دور "المحرض السري" المختبئ في عباءة "عمر سليمان" ضد المصالحة .. إلى محرض مكشوف وراحت تنعى عملية السلام .. ذلك السلام الذي نعمت في ظلاله بأكبر وأوسع عملية استيطان ومصادرة أراضي ..ونعمت من خلاله مدينة القدس بأكبر وأخطر عملية تهويد وطرد للسكان وسحب للهويات .. ونعمت غزة بحرب الفسفور والصواريخ والقنابل العنقودية .. !!
ولكن – وبعيدا عن التشاؤم – فإن الأفق ما زال ملبداً بعشرات الأسئلة والمخاوف:
• فهل عباس وسلطته قادرون أو مستعدون لتنفيذ كل ما تم الاتفاق عليه ؟ وهل تصدق نوايا أطراف المعادلة الفلسطينية هذه المرة .. أم سيعودون ثانية إلى خذلان شعبهم التواق للحرية والكرامة وإنهاء الاحتلال .. ؟؟
• هل يدرك الذين يعتبرون "المفاوضات والتسويات" خيارهم الاستراتيجي الوحيد معنى التهديدات التي أطلقها "نتنياهو ورهطه من قادة العدو" .. وكيف ينبغي أن يكون الرد ؟؟
• هل أدركت قيادة السلطة الفلسطينية حجم الخديعة الأمريكية... فتمضي إلى الهاوية في الانسياق العبثي وراء حطام أوسلو وخارطة الطريق وحل الدولتين؟؟
لا بد من أن تعترف جميع الأطراف أنه في ظل الانقسام تضاعفت معاناة الشعب الفلسطيني .. ودخلت القضية الفلسطينية في أنفاق معتمة .. وانفردت إسرائيل في إدارة مسرح الأحداث وتحديد اللاعبين فيه .. فكان من الطبيعي أن تثير هذه المصالحة قادة الصهاينة على اختلاف مشاربهم الحزبية، بعد أن بنو إستراتيجيتهم على دوام الانقسام وتأبيده..
المصالحة الفلسطينية خطوة أولى من خطى مصر الثورة على طريق استعادة كرامة الأمة .. إلا أن هذا اللاعب "الإسرائيلي" ورغم انفراده لسنوات في الساحة.. إلا أنه وتحت وطأة الثورات بات يستشعر بعض معاني نهوض الأمة وحضورها في حركة التاريخ والمستقبل !!
لقد آن الآوان أن تدرك جميع مكونات هذه الأمة بأن "الانقسام والفرقة والتدابر " – بكل أشكالها وتجلياتها - هو منتج صهيوني بامتياز .. هدفه النهائي إغلاق أي أفق أمام تحقيق أي منجز نضالي للأمة!!
eidehqanah@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق