الأربعاء، 25 مايو 2011

الإصلاح .. الإشكاليات والضرورة

الإصلاح .. الإشكاليات والضرورة
د. عيدة المطلق قناة

أصبحت الدعوة للتغيير والإصلاح السياسي اليوم دعوة مشتركة من الداخل و الخارج .. بل إن قوى الخارج كثيراً ما اتخذت هذه الدعوات الطبيعية والمشروعة للشعوب ذريعة لتبرير التدخلات الأجنبية حتى بلغ بها الصلف حد التدخل في صياغة وتوجيه قيم ومسارات هذا الإصلاح .. مما جعله في كثير من الأحيان لا يصب بالضرورة في خانة المصلحة الوطنية لكثير من الأقطار .. بل - على العكس - فكثيراً ما شكل التدخل الخارجي ضغطاً على السلط والأنظمة وفرض جملة من الإشكاليات على مسيرة الإصلاح كان منها :
1. إطلاق العديد من الفزاعات للضغط على الأنظمة لدفعها نحو المزيد من الارتماء في أحضان القوى الدولية الضاغطة وحماية مصالحها .. مما شجع السلط والإنظمة على التلكؤ في خطى الإصلاح.. والسير بإصلاحات شكلية لإجهاض التغيير الحقيقي ، عبر تفصيل منظومة من القوانين الناظمة للحريات العامة .. وإجراء انتخابات شكلية أساسها تزوير الإرادة الشعبية .. وتشجيع قيام منظمات – شبه شعبية – وأحزاب سياسية وظيفية متربطة بالأنظمة لإعادة إنتاج النظام .. وتوجيه حركة التغيير والإصلاح بحسب اتجاهات رياحها الخاصة عبر آليات الضغط والقمع والمنع والاحتكار واغتيال الشخصية .. مما أدى إلى جمود ومراوحة الحركة الإصلاحية حيناً وتراجعها بل وتوقفها وانتكاسة ما تحقق من منجزات أحيانا أخرى ..
2. تجذّر الأزمة السياسية، - خاصة بعد اتفاقية وادي عربة – التي ساهمت في تفاقم التوتر وخلق فجوة في الثقة بين قوى السلطة، وقوى المعارضة بل ومعظم مكونات المجتمع الأردني - السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافة والعرقية والإثنية- ..
3. انعكست الأزمة السياسية بمكوناتها المعقدة على مآلات الخطط والمبادرات الإصلاحية المتعددة التي استهلكت الكثير من الوقت والحوار والجهد .. فذهبت كلها في غياهب الأدراج يلفها النسيان ويكسوها الغبار .. وتسبب في جدل حول جدوى لجان الحوار ( ومن أمثلته الجدل الذي قام حول لجان الحوار الثلاث : لجنة قانوني الإنتخاب والأحزاب .. ولجنة التعديلات الدستورية .. ولجنة الحوار الاقتصادي ).
4. ولعل من أصعب إشكاليات الإصلاح " الارتباك في الحالة الثقافية" الناشئ عن انحياز بعض النخب الأكاديمية والثقافية لخيارات السلط والأنظمة .. فقد شكل هؤلاء اختراقاً سالباً للحالة الثقافية .. حين ارتضت بعض هذه النخب بأن تكون بوقا من أبواق السلطة .. بل أحد أخطر أداواتها القمعية .. فمارست كل ما تمتلكه من أدوات التخويف والابتزاز .. وأذاقت الشباب أشكالأ متعددة من المر والعلقم.. وخلقت حالة معاناة قاسية للالاف من خيرة شباب هذه الأمة !!
5. ولعل من تأثيرات هذه النخب الأكاديمية والثقافية نشوء تيار "التخويف" من مسار الإصلاح السياسي، ويضع العراقيل في طريقه، عبر إطلاق جملة من الفزاعات المرعبة لبث الذعر لدى أصحاب القرار من جهة وفي داخل المجتمع من جهة ثانية .. كما يقومون بتقديم النصائح لمن يستشيرهم من أصحاب القرار .. وغالباً ما تكون نصائحهم بـ"التشكيك بوطنية وانتماء القوى المطالبة بالإصلاح" بل تصل في كثير من الأحيان إلى اغتيال الشخصية ضد العديد من الرموز الوطنية ..
6. أما الإشكالية المركبة التي تعيق بالفعل الحركة الإصلاحية على الصعيدين الشعبي والحكومي فهي إشكالية الفساد المتفاقمة والتي اخترقت معظم الطبقات السياسية والمجتمعية وطالت البرلمان والنقابات والجامعات.. صار عندنا حيتان للفساد ومسؤولون يمارسون من الفساد أعمقه.. فاسدون يتعاملون حتى مع المافيات يقدمون الرشى ويستقبلونها .. يستغلون وظائفهم العامة وهم على رأس عملهم .. ومنهم من يتولى قيادة مؤسسات بالغة الحساسية .. فساد قد لا تصدقه العقول .. فساد أعاق التنمية وتسبب في تراجع الأداء الاقتصادي .. وتراجع فرص الاستثمار .. وتسبب بالتالي في تفاقم أرقام البطالة بمعدلات غير مسبوقة .. ناهيك عما ينشأ على ضفاف الفساد والبطالة ومخرجاتها من أزمات أخلاقية وأمنية خطيرة باتت تهدد الأمن والسلم والاستقرار المجتمعي والوطني

إن هذه الإشكاليات وغيرها تتحمل جانباً مهماً من المسؤولة عن انقسام التنظيمات والنخب السياسية..وما يعكسه هذا الانقسام من قراءات متباينة للمعادلة السياسية واستحقاقات المرحلة المقبلة وأولويات الإصلاح وأبعاده ومستقبله ...وتطرح العديد من التساؤلات لعل من أهمها :
• هل تقبل القوى الوطنية السكوت إلى مالا نهاية على ما يطرح من "فزاعات" وفي مقدمتها : "الفزّاعة الإسلامية" .. و"الفزاعة الأمنية" .. و "فزاعة الوطن البديل.. أو التركيبة السكانية" .. ؟
• ألسنا أمام حالة مزعجة من عدم الاحترام للشعب الأردني .. تسوغ فرض الوصاية عليه .. والتشكيك بإمكانياته وذكائه .. بالترويج لعدم نضجه وعدم جاهزيته للديمقراطية والحرية ؟؟
• ثم أمام حالة الانقسام في المشهد الإصلاحي ماهي الأولويات الأردنية وما هي الحدود الدنيا للقواسم المشتركة بين قوى الإصلاح .. وما الذي ينبغي تغييره؟ وما الذي ينبغي الإبقاء عليه؟
• أما على الصعيد الثقافي .. ألسنا بحاجة إلى إعادة تشكيل الحالة الثقافية بما يسمح بدور مركزي للمثقفين في حركة التغيير بعيداً عن ثقافة الوصاية والتدجين والتجويف؟؟
• ألسنا بحاجة إلى إعادة تعريف الكثير من المفاهيم والمصطلحات التي تم مسخها وتشويهها واستخدامها بشكل جائر ..ولعل من أبرزها مفاهيم ( الوطنية .. والولاء .. والانتماء .. )؟
• ثم أمام التشكيك واغتيال الرموز المتواصل .. ما هو المطلوب من الجبهة الوطنية للإصلاح؟
إن التصدي لمعالجة الإشكاليات التي تواجه مسيرة الإصلاح .. والرد على التساؤلات .. يستلزم بالضرورة : الإسراع في عملية الإصلاح .. وصولاً إلى التغيير المنشود حتى آخر الشوط.. فتشغيل عجلة الإصلاحية بالسرعة اللازمة هو من الضرورات الملحة التي تستلزمها عملية إعادة الثقة بين الأردنيين والتي لن تستقيم حياتنا الوطنية بدونها .. أما المماطلة والتلكؤ في العملية فستفاقم التوتر وتعيق الحركة ..بما يؤدي حتماً إلى المزيد من التآكل في مقدرات الوطن والشعب .. ناهيك عن ما يمكن أن ينشأ عن حالة الجمود من أخطار تهدد الأمن والسلم الاجتماعي والوطني بل والقومي!!
إن الحراك الإصلاحي والاحتجاجي بعد جهود وطنية كبيرة استغرقت أكثر من عام ، وفعاليات غطت كافة محافظات المملكة ..أسفر في أول خطواته العملية عن قيام "الجبهة الوطنية للإصلاح" وإعلان بيانها الإصلاحي .. فهذه الجبهة تعتبر خطوة متقدمة على هذا المسار وأحد أهم الآليات المحركة لعجلة التغيير وتطوير أدواته ووسائله وبرامجه .. فليمض الأردنيون بحراكهم نحو أهدافهم المشروعة في التغيير والإصلاح وصولاً إلى دولة مدنية ديمقراطية يتمتع شعبها بالحرية والكرامة والعدالة ..
eidehqanah@yahoo.com

الأربعاء، 18 مايو 2011

الثورات العربية بين الانجاز والاستعصاء

الثورات العربية بين الانجاز والاستعصاء
د. عيدة المطلق قناة
الانتفاضات الشعبية العربية - منذ شرارتها الأولى في تونس .. تمكنت من تحريك آلام كثيرة .. وفي الوقت نفسه نجحت في بعث آمال كبيرة ..
إن شعوب هذه الأمة رغم معاناة السنين من القطيعة والتدابر والاحتراب وجدت نفسها أمام معاناة واحدة وإن اختلفت أو تباينت في تفاصيلها الصغيرة.. فشعوب هذه الأمة تعاني من استبداد طال أمده .. ومن فساد عز نظيره .. ومن نشوء طبقة طفيلية قشرية استحكمت فأثرت على حين غرة.. أدارت البلاد وتسلطت على العباد.. و نهبت الثروات وبددت المقدرات .. وجمعت كل السلطات بقبضة واحدة ( سلطة المال والنفوذ) .. وأنشأت حولها طبقة من المريدين والمحاسيب والآزلام .. مقابل تهميش الكتلة الاجتماعية الأكبر .. وأحاطت نفسها بأجهزة فاسدة ومفسدة .. قمعت كل أشكال التعبير .. وتجسست على الناس .. وأخذت تعد عليهم أنفاسهم .. وزرعت الفتنة والشك بين مكونات المجتمع .. وحالت دون قيام جماعات أو كتل اجتماعية وازنة ومؤثرة .. !
مجتمعاتنا كلها تتكون من شباب يشكلون الكتلة الأكبر في المجتمع .. جلهم من خريجي الجامعات .. وجلهم يعانون بطالة مرتفعة ومتصاعدة .. ومن ضيق شديد في الفرص الاقتصادية .. فضاقت خياراتهم الحياتية والسياسية.. واضطربت أوضاعهم ..وحين يضطرب حال الشباب تضطرب المجتمعات بأسرها .. وها نحن اليوم أمام قلق شديد يعم المنطقة .. شعوب مفقرة مجوعة .. وشباب معطل .. فقد الأمل بمستقبل كريم .. أو بعدالة أي عدالة ..

ورغم ما في المشهد العربي من آلام وانسداد فإنه على الجانب الآخر هناك الكثير والكبير من الآمال .. فالثورات العربية حركت الآسن من هذه الأوضاع .. وتمكنت بما حققته من منجزات رائعة من تجاوز زمان اليأس الآخذ في الأفول ..
اليوم نحن أمام حراك شعبي عام ..أمام شباب عربي اكتشفوا ذواتهم الجمعية .. واكتشفوا أن آمالهم وآلامهم واحدة .. واكتشفوا أن ذات الموقف الذي يبكي الموريتاني يبكي في اللحظة ذاتها الأردني والحضرمي .. وأن ذات الانجاز الذي يسعد التونسي .. يشيع الفرح في اللحظة ذاتها في المصري واليمني والسوري ..
نحن اليوم أمام شباب عربي خرج على كل شروط الردة والفرقة والانقسام .. وراح يردد نفس الشعارات وينشد ذات الأهداف في الحرية والوحدة والكرامة والعدالة الاجتماعية والدولة المدنية دون أن ينسى فلسطين..

شباب وجد أنه - بالرغم من انحسار الاستبداد في العالم لصالح نظم حكم ديمقراطية- إلا أن أوطانه وأمته مازالت تخضع للاستبداد...
إذ حين فوجئت الأنظمة بالاحتجاجات العفوية والسلمية تأتيها من شرائح لم تكن في حسبانها .. سارعت للجوء إلى أسلوب القمع، والعقاب الجماعي، .. وتقديم وعود بإصلاحات شكلية تضمن بقاء النظام والمؤسسات الأمنية..
راحت هذه الأنظمة تتخبط في ردات أفعالها ..ففقدت صوابها أمام فتية يتداعون للتظاهر بكل الوسائل الحضارية.. فأطلقت أجهزتها الأمنية المتكاثرة .. وبالغت في القمع .. وراجت تحاصر المدن وتمنع عنها الماء والكهرباء والاتصالات ..وتمنع الغذاء والدواء .. وتقتحم المدن والبلدات بالدبابات ..وتحظر التجوال فيها .. وبذريعة استعادة الأمن المفقود .. وتأديب المتمردين والعملاء والمأجورين والسلفيين .. استباحت النهب والسلب وتخريب الممتلكات ..
وتركت لجهاز البلاطجة / أو الشبيحة يعيثون بأمن المواطنين فساداً .... وتركت للقناصة تدبر أمر الناس .. فكل الناس ( شيوخاً وشباباً .. نساء وأطفالاً ) سواسية أمام القنص والتعذيب والتنكيل والاعتقال والاغتصاب وإطلاق الرصاص العشوائي على كل من يتحرك..

في وطننا العربي الكبير بات مشهد الجثث المتناثرة في الشوارع العربية والطرقات العربية مألوفاً واعتيادياً .. وانتشرت المقابر الجماعية في هذا الوطن الكبير .. منها ما تم الكشف عنه ومنها ما يزال مجهولاً ..

ولكن رغم كل هذا الانسداد فقد تحققت منجزات كثيرة منذ ابنثاق الربيع العربي المبشر بالحرية والكرامة من مشارق هذا الوطن وحتى مغاربه.. إلا أن اندفاعة الإنجاز أخذت تواجه الكثير من الاستعصاء .. وبات يتطلب الكثير من الصبر والتضحيات .. فهذه القوى الحية التي تنشد التغيير ..تواجه اليوم بأبشع أشكال القمع والاستئصال .. من قبل قوى متكلسة فاسدة ترفض التغيير والإصلاح، وتحاول الالتفاف على المطالب الشعبية ..
لقد أكدت ثورات العرب أن لدى شعوب هذه الأمة مخزوناً هائلاً من القيم والمثل والأخلاق .. أكدت قيم التعاون والانضباط وقبول الآخر بعكس ما أكدته ممارسات وسلوكيات الأنظمة .. وعليه فإنه رغم حالة الاستعصاء والانسداد..وما فيها من مراوحة بين مد وجزر ..ورغم ماسال على ضفاف هذه الثورات من دماء وتضحيات فإن هذه الحالة الثورية الشعبية العربية هي أهم منجز تاريخي للعرب في العصر الحديث .. وحين يستكمل حلقاته وتحقق أهدافه فإن الأمة هي التي تحدد شخصيتها الحضارية والإنسانية ..وهي وحدها من تحدد هويتها وأهدافها .. وهي وحدها من تختار موقعها بين الأمم ودورها بين الأمم.. !!
eidehqanah@yahoo.com

المصالحة الفلسطينية .. ومصر الجديدة

المصالحة الفلسطينية .. ومصر الجديدة
د. عيدة المطلق قناة
أعوام عجاف مرت على الانقسام الفلسطيني .. وشهدت أخطر التحولات على مسار القضية الفلسطينية .. فعلى غزة شنت حرب " الرصاص المسكوب" بكل مخرجاتها الكارثية وما فيها من كلفة إنسانية .. وحصار مشدد فرض على غزة صهيونيا ومصرياً .. وفي القدس توحش في الاستيطان والتهويد... وتعمقتر معاناة الناس .. وكل هذه التراجعات الخطيرة لم يسهم في إنهاء الانقسام بل عززته وأطالت أمده ..
على الصعيد الإقليمي فقد شهدت العقود الثلاث الأخيرة غياباً وتغييباً لدور مصر .. ولعبت خلالها "مصر مبارك " دور العصا الأمريكية لتطويع المنطقة وقواها المقاومة - مقابل لاشيء- .. وانعكس غياب مصر على مجمل الأوضاع الإقليمية فحين غابت مصر، غاب العرب.. وحين رضخت مصر ، رضخ العرب .. وحين نهضت مصر نهض العرب !!
وأما على صعيد "التسوية" لم تتحقق أية انجازات تذكر.. بل في نهاية عام 2010 كشف موقع (ويكيليكس) عن نحو 1500 وثيقة غير رسمية (للمحادثات مع إسرائيل حملت في طيّاتها تنازلات للطّرف الإسرائيلي بلا مقابل .. وبالمقابل فإن "إسرائيل" لم تنفذ أي من التزاماتها .. فلا أوقفت الاستيطان .. ولا أوقفت الحروب والاقتحامات والاعتقالات .. بل نفذت خطة استيطان وتهويد شرسة في القدس ومحيطها ناهيك عن ما أصدرته من تشريعات تكرس يهودية الدولة وتشرعن عملية الترانسفير ..
وأما على صعيد الانقسام .. فإن إسرائيل سعت بكل ما تستطيعه من ضغوط وابتزاز للسلطة لتكريس الانقسام .. ولعب " نظام مبارك " دور الوكيل في تشديد الحصار، وتضييق آفاق المصالحة .. فجعل هذا النظام من "الورقة المصرية" للمصالحة نصاً مقدساً لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه... مما جعل الاتفاق أمراً بعيد المنال !!
وتأكيداً على ذلك أعلن "خالد مشعل" ( رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بتاريخ 13/6/2010 ) عن ثلاثة عراقيل تحول دون المصالحة وهي: الفيتو الأمريكي، وشروط الرباعية (التي تم تكريسها وتحصينها في الورقة المصرية ) وسلوك السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة .. واعترف بما قاله مسؤولون عرب من أنه ، "لا مصالحة ولا تعديل على ورقة المصالحة إلا إذا قبلتم بشروط سياسية تساوي شروط الرباعية، ومفتاحها أن تعترفوا "بإسرائيل".. عندها أكد مشعل بأن المقاومة الفلسطينية " لن تدفع ثمنا سياسيا مهما طال الحصار وازدادت العقوبات" ..
وما هي إلا بضعة شهور على هذه التصريحات حتى سقط "نظام مبارك" ..وبعد فترة التقاط الأنفاس أخذت مصر تعود لأمتها وتتألق بهويتها الحضارية ودورها القيادي في الأمة .. وبدأ العرب يعودون لكنانتهم بحلتها الثورية الجديدة !!
بسقوط "نظام مبارك" .. سقطت تابوهات ورهانات كثيرة على "تأبيد تهميش دور مصر وتكريس عزلتها عن محيطها الإقليمي" .. وسقطت كافة استعصاءات المصالحة الفلسطينية..
ها هي "مصر الجديدة " وقد بدأت بالخروج من العباءة الأمريكية ، تستعيد دورها ومكانتها .. وانتفضت على كل أشكال الابتزاز الصهيو – أمريكي .. واستجابت ولأول مرة لإعادة فتح الورقة المصرية للنقاش .. وقبلت بتعديل النصوص الإشكالية دون أن تضع العصا الصهيو أمريكية في دواليب الاتفاق .. وكسرت حاجز الاستعصاءات من هذا الطرف أو ذاك ؟؟
وما أن تم توقيع اتفاق المصالحة.. حتى تحولت المواقف وانتقلت "إسرائيل" من دور "المحرض السري" المختبئ في عباءة "عمر سليمان" ضد المصالحة .. إلى محرض مكشوف وراحت تنعى عملية السلام .. ذلك السلام الذي نعمت في ظلاله بأكبر وأوسع عملية استيطان ومصادرة أراضي ..ونعمت من خلاله مدينة القدس بأكبر وأخطر عملية تهويد وطرد للسكان وسحب للهويات .. ونعمت غزة بحرب الفسفور والصواريخ والقنابل العنقودية .. !!
ولكن – وبعيدا عن التشاؤم – فإن الأفق ما زال ملبداً بعشرات الأسئلة والمخاوف:
• فهل عباس وسلطته قادرون أو مستعدون لتنفيذ كل ما تم الاتفاق عليه ؟ وهل تصدق نوايا أطراف المعادلة الفلسطينية هذه المرة .. أم سيعودون ثانية إلى خذلان شعبهم التواق للحرية والكرامة وإنهاء الاحتلال .. ؟؟
• هل يدرك الذين يعتبرون "المفاوضات والتسويات" خيارهم الاستراتيجي الوحيد معنى التهديدات التي أطلقها "نتنياهو ورهطه من قادة العدو" .. وكيف ينبغي أن يكون الرد ؟؟
• هل أدركت قيادة السلطة الفلسطينية حجم الخديعة الأمريكية... فتمضي إلى الهاوية في الانسياق العبثي وراء حطام أوسلو وخارطة الطريق وحل الدولتين؟؟

لا بد من أن تعترف جميع الأطراف أنه في ظل الانقسام تضاعفت معاناة الشعب الفلسطيني .. ودخلت القضية الفلسطينية في أنفاق معتمة .. وانفردت إسرائيل في إدارة مسرح الأحداث وتحديد اللاعبين فيه .. فكان من الطبيعي أن تثير هذه المصالحة قادة الصهاينة على اختلاف مشاربهم الحزبية، بعد أن بنو إستراتيجيتهم على دوام الانقسام وتأبيده..
المصالحة الفلسطينية خطوة أولى من خطى مصر الثورة على طريق استعادة كرامة الأمة .. إلا أن هذا اللاعب "الإسرائيلي" ورغم انفراده لسنوات في الساحة.. إلا أنه وتحت وطأة الثورات بات يستشعر بعض معاني نهوض الأمة وحضورها في حركة التاريخ والمستقبل !!
لقد آن الآوان أن تدرك جميع مكونات هذه الأمة بأن "الانقسام والفرقة والتدابر " – بكل أشكالها وتجلياتها - هو منتج صهيوني بامتياز .. هدفه النهائي إغلاق أي أفق أمام تحقيق أي منجز نضالي للأمة!!
eidehqanah@yahoo.com

الأربعاء، 4 مايو 2011

الإصلاح في الأردن.. وقد انطلقت أولى خطواته

د. عيده المطلق قناة

تعود بدايات الحراك الشعبي الاحتجاجي الأردني لعام 1993 أي منذ "اعتماد قانون الصوت الواحد لانتخاب مجلس النواب".. فهذا القانون – السئ السمعة – كان مثاراً للنقد والاحتجاج بما تسبب به من تشوهات بنيوية في الحياة السياسية ، وما راكمه من أزمات بين مؤسسات الحكم والشعب الأردني .. ناهيك عما نشأ على ضفافه من فساد إداري وسياسي ومالي ومن تطاول على المال العام، وعلى حقوق الآخرين .. ولعل من أبرز مخرجات هذه الأزمة المركبة خسارة معركة التنمية إلى جانب خسارة معركة الحرية والديمقراطية .. فضلاً عن خسارة السمعة والصورة بين شعوب العالم ..!!

مضت الحركة الاحتجاجية الأردنية في تطورها البطيء - ولكن المتواصل - فراكمت الخبرات والإنجازات ونجحت - إلى حد ما - في تغيير صورة المجتمع من صورة "الخانع المستكين".. إلى صورة المجتمع المفعم بالحيوية المستعد للبذل في سبيل تحقيق طموحاته !!

لقد اتسمت المطالب التغييرية لهذه الحركة بـ"إصلاح النظام " حيث أن النظام "الدستوري النيابي الملكي" ما زال يتمتع بقبول الأردنيين على تنوع وتعدد مشاربهم السياسية .. وحددت مطلب التغيير بإنجاز تحول تاريخي عبر عملية إصلاح سياسي واسعة النطاق ، تفضي إلى عهد من الحكم الرشيد .. يقوم على العدالة الاجتماعية .. وتتحقق فيه كرامة الإنسان واحترام حقوقه .. ويتمتع فيه المواطنون بالحرية .. ويمارسون مواطنتهم الطبيعية عبر المشاركة في صناعة التغيير.. والدفاع عن استقلال الوطن واستقراره المجتمع وأمنه وسيادته على أرضه وقراره ..

ولكن اعترضت هذه المسيرة العديد من العقبات لعل من أهمها:
• سياسة التخويف والتحريض ومن ثم التطنيش والإهمال..
• سياسة الانفراد والإقصاء وغياب الشفافية ..
• التحايل على استحقاق التغيير بانفتاح شكلي على التعددية الحزبية والحريات العامّة والاعلامية
• سياسة التشكيك بنوايا قوى الإصلاح .. ومحاولة إضفاء هالة من القداسة على بعض التشريعات والمؤسسات ..مما أدى إلى نشوء لغة تحذيرية متشددة تمانع في الحديث عن أي تعديل خوفا من مخاطر / فزاعات موهومة ( يشار إليها حيناً بالظرف السياسي الإقليمي.. وبمشاريع الوطن البديل حيناً آخر) ..

إلا أن النتائج كانت عكسية إذ شهدت الساحة تأجيجاً للحالة الشعبية .. وساهمت بدفعها نحو المزيد من الإنجاز والمأسسة والتطوير.. وهناك العديد من المؤشرات التي تبعث على التفاؤل بتحقيق الإصلاح المنشود أو على الأقل إنجاز خطوات إصلاحية مهمة قد تتراكم لتتحول إلى إنجاز شامل .. ولعل من هذه المؤشرات مايلي :

1. أن الحديث عن الإصلاح الدستوري ليس طارئاً ولا جديدا بل إنه مطروح منذ بداية التحول الديمقراطي عام 89.. وقد نشأت حالة "إجماع وطني" على ضرورة الإصلاح وحتميته ، وعلى أولوية "الإصلاح الدستوري".. كما نشأت قناعة بأن التعديلات المتوالية التي طرأت على الدستور الأردني لسنة 52 ( بمسوغ الظروف الاستثنائية) شوهت هذا الدستور وأضرت به ولم يعد هناك ما يبرر استمرارها .. وأن تحقيق الإصلاح لا بد أن يبدأ "بتنقية الدستور" مما شابه من تعديلات أضرت بالتوازن في الشراكة في سلطة القرار.. وإجراء تعديلات واسعة تضمن التوازن والاستقرار والشراكة في الحكم.. !!
2. رغم ما يعتور هذا الحراك من مد وجزر وشد وجذب.. إلا أن عجلة الإصلاح بدأت بالدوران وهناك خطوات إصلاحية – نأمل أن تكون جادة ومستمرة حتى تحقيق أهدافها .. و رغم محاولات إسباغ القداسة على بعض التشريعات وبعض المؤسسات فقد جاءت مبادرة "جلاله الملك" بتكليف لجنة ملكية بمراجعة الدستور واقتراح التعديلات اللازمة عليه بمثابة نفي صريح - من أعلى المستويات القيادية - لمزاعم القداسة التي تطلقها قوى الشد العكسي .. وتأكيداً بأن "الدستور" – أي دستور - ليس كتابا مقدسا .. بمقدار ما هو عقد اجتماعي توافقت عليه قوى المجتمع .. وحددت بعض مواده آلية تعديله.. وقد حدد " جلالة الملك" (في كتاب التكليف للجنة التعديلات الدستورية ) أهداف المراجعة الدستورية المطلوب: "بـالنهوض بالحياة السياسية.. وترسيخ التوازن بين السلطات.. وتمكين مجلس الامة من القيام بدوره التشريعي والرقابي بكفاءة واستقلالية.. وتكريس القضاء حكما مستقلا بين السلطات.. واقتراح التعديلات بما يحفظ التنوع والتعدد في العمل السياسي الوطني، ويرسخ نظامنا النيابي الملكي... والوصول إلى مخرجات ترفد الأداء المتميز لنظامنا السياسي" ..
3. هناك قناعة لدى قوى الإصلاح بأن الإصلاح الحقيقي ينبغي أن يكون هدفه الأول هو " ترجمة المبدأ الدستوري الذي ينصّ على أن (نظام الحكم هو "نيابي – ملكي وراثي" ) .. بحيث تصبح الديمقراطية والمشاركة الشعبية في القرار عبر المؤسسات التمثيلية هي الركن الأساسي لنظام الحكم .. لقد عبر جلالة الملك - في غير مناسبة ومقابلة صحافية- عن طموحه بتطوير نظام الحكم في البلاد، وصولا إلى (الملكية الدستورية)...

إلا أن أبرز منجزات الحركة الاحتجاجية الأردنية يتجلى في كسر حاجز الخوف .. وتعزيز الثقة بالنفس الذي يتجلى في زخم الحراك وتكاثر دعاته .. وفي زخم "المبادرات الإصلاحية النوعية" المطروحة في الشارع السياسي الأردني.. وفي العديد من الإبداعات الشبابية في تطوير أدوات ووسائل الاحتجاج وفي تطوير أهدافهم ..

إن الإصلاح الشامل سيساهم في تدعيم استقرار البلاد، ويعزز استقلال السلطات، وأما الإصلاح الدستوري الحقيقي فيشكل رافعة لعملية الإصلاح السياسي .. كما يشكل الضمانة الأكيدة لاستقرار الأردن وحماية نظامه وتعزيز مناعة جبهته الداخلية .. وتحقيق سيادته الوطنية..

eidehqanah@yahoo.com