الاثنين، 14 مارس 2011

هل هناك إمكانية للإصلاح السياسي في الأردن

هل هناك إمكانية للإصلاح السياسي في الأردن

مقدمة لندوة رابطة الكتاب الأردنيين حول الإصلاح السياسي في الأردن
12/3/2011
د. عيدة المطلق قناة


الإصلاح فكرة قديمة قدم الإنسانية، تناولها المفكرون بالكتابة والتحليل وتناولها المصلحون من السياسيين بالمشاريع والإنجازات التي ما زالت تتحدث عن كتب التاريخ .. كما وثقت هذه الكتب لكثير من الحركات الإصلاحية التي تحولت إلى ثورات حين وصلت الأمور إلى حالة انسداد .. لتضع حداً للاستبداد السياسي، وتأمين الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين...

أمتنا العربية والإسلامية ليست استثناء .. فهذه الأمة ما فتئت تخوض صراعات متواصلة في مواجهة نظم تسلطية جثمت عليها منذ الاستقلال .. فما أن شارفت نهاية  القرن الماضي – العشرين –  حتى بدأت هذه الأمة في التململ والغضب والتحرك نحو مخرج  من نفق الاستبداد والتسلط..

وفي الأردن اليوم يطرح مطلب "الإصلاح"  وليس الثورة .. والإصلاح – تعريفاً يعني: "تعديل غير جذري في شكل الحكم، أو العلاقات الاجتماعية دون المساس بأساسها..  وفي هذه الحالة فإن الإصلاح لا يعدو أن يكون  تحسيناً  في النظام السياسي الاجتماعي القائم، دون مساس بأسسه !!

ولكن وعلى الرغم من نعومة هذا المطلب .. وسلمية الحراك والاحتجاج في المطالبة بالإصلاح .. وبالرغم من مرور عقود على انطلاقته.. إلا أن هذا "الإصلاح" يمتنع عن المجيء .. بل إنه لم يبدأ بعد ..  مما أدى إلى حالة من الانسحاب والإحباط لدى الكثيرين من دعاة الإصلاح والعاملين في الحقل العام .. إذ وجدوا أنفسهم اليوم أمام جملة من المعوقات منها:
1.  حالة انسداد على جميع المستويات .. تعززها حالة  فساد وإفساد .. واحتكار وإعادة تدوير السلطة بين طبقة محدودة من المجتمع.. وغياب الرقابة .. لقد تفاعلت حالة الانسداد هذه مع  جملة من التحديات الاقتصادية الاجتماعية من عناوينها: العجز  في الموازنة.. وتضخم في المديونية .. وعجز في الميزان التجاري، وعجز ميزان المدفوعات.. وعجز الاقتصاد عن توليد فرص عمل للآلاف الخريجين .. أدت إلى اتساع البطالة .. واتساع جيوب الفقر أفقياً وعمودياً .. حيث يقع اليوم أكثر من  30% من السكان تحت خط الفقر، وتآكل متواصل في الطبقة الوسطى واتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء .. وغير ذلك من اختلالات ..
2.   هناك عوائق سياسية منها :  عدم توفر الإرادة السياسية للإصلاح أو على الأقل إحداث تغييرات سياسية ضرورية وملحة.. فضلا ًعن إضعاف المؤسسات الدستورية وغياب مبدأ الفصل بين السلطات لصالح هيمنة السلطة التنفيذية .. بالإضافة إلى  ضعف / إضعاف المعارضة السياسية  مما أدى إلى غيابها أو تغييبها .. وساهم في انقسامها وتشرذمها .. وبالتالي افتقارها إلى مشاريع سياسية جادة أو حلول وبدائل.. وكذلك هناك ضعف وغياب أو تغييب لمؤسسات المجتمع المدني من أحزاب ونقابات واتحادات وجمعيات، فغاب الضغط الشعبي..مما ساهم في تدني نسبة المشاركة السياسية.. مع تآكل الوعي السياسي ( أو سطحيته) .. ونمو ثقافة الخوف.. أمام اشتداد وطأة الترهيب والترغيب – بالرشى والأعطيات التافهة لفئات محددة من هذه المنظمات !!
·    وأما العوائق  ثقافية : فتتجلى في غياب / ضعف ثقافة التسامح والقبول بالآخر واحترام مبدأ سيادة القانون والتداول السلمي للسلطة فضلاً عن ضعف مفهوم المواطنة والانتماء للدولة.. والوطن كوطن...!!

فكيف يمكن إنجاز إصلاح والحالة تكتنفها هذا الكم من العوائق .. آخذين بالاعتبار أن أي عملية إصلاح ديمقراطي تقوم على ثلاثة أبعاد هي:
·        حماية الحريات العامة وحقوق الإنسان.
·         توسيع الفضاء السياسي بإدماج القوى الجديدة وتخفيف احتكار السلطة وتقريبها من عموم المواطنين.
·         بناء وتوسيع شرعية النظام السياسي  

فلو حاولنا مقارنة هذا الأبعاد بما هي عليه الحالة الأردنية فماذا يمكن أن نجد؟
أولاً : في مسألة حماية الحريات العامة وحقوق الإنسان فإن الحالة الأردنية تتسم بما يلي:
·   نتج عن تفرد السلطة التنفيذية بالتشريعات وتهميش دور السلطة التشريعية حزمة كبيرة من التشريعات المقيدة للحريات العامة بل مصادرتها .. مما أدى إلى هشاشة الحماية القانونية والسياسية لحقوق الإنسان وحرياته العامة.. وكرست التسلط والاستبداد .. بل إن المجتمع الأردني يشهد حالة تشريعية كثيراً ما تكون مفصلة على مقاسات أشخاص أو حالات .. أو لتخلق وقائع جديدة على الأرض ( ومنها قوانين الانتخابات وتعديلاتها .. قانون الأحزاب .. والجمعيات الأهلية..والاجتماعات العامة وإلى ما هنالك)
·    أما أداء الحكومات فينحو في معظم الأوقات نحو التلاعب والتطنيش والتوسع في تقييد الحريات والحقوق العامة.. وحين يرتفع منسوب الغضب الشعبي تقوم الحكومة بإجراءات احتوائية شكلية ترقيعية سريعة الذوبان والانطفاء .. تعود بعدها ( حليمة لعادتها القديمة) بطشاً  وتضييقاً وتشويهاً واغتيالاً للشخصية الفردية والمؤسسية.. وتزويراً للانتخابات جهاراً نهاراً وعلى رؤوس الأشهاد..
·    القبضة الأمنية الحديدية ( بكل ما فيها من "بأس شديد").. فتبدأ بالسجون السرية منها والعلنية ..والتغول على الجامعات .. والتدخل السافر في منظمات المجتمع المدني .. وامتدت إلى النقابات المهنية في محاولة لإخضاعها .. نتج عنها شلل عام في مؤسسات المجتمع المدني .. واحتواء النقابات العمالية الواحدة تلو الأخرى .. والموقف الرافض لإنشاء نقابة المعلمين..

ثانيا: أما عن توسيع الفضاء السياسي فإن الحياة السياسية الأردنية ما زالت تشهد حالة من العزوف عن العمل العام بعامة والعمل السياسي بخاصة.. فالأحزاب ما زالت – رغم كل المزاعم - تواجه حملة منظمة من التضييق وتشويه صورتها .. وترهيب الشباب منها .. مما أدى إلى هزال الحالة السياسية وانكماش المشاركة .. وعزوف الشباب وتهميشهم وإبعادهم عن الحياة السياسية!!
وبالمقابل تم "خلق" بنى فوقية وهياكل شبابية شكلانية نجحت في إنجاز جيل من الهتافين والراقصين .. والبلطجية الجاهزين لإشعال شجار قبل إطلاق الصافرة .. شباب اختزلت قضيتهم في صراع بين شماغ أحمر وشماغ أسود .. فضلا ًعما تم غرسه في وجدانهم من كراهية للقوى السياسية وخاصة قوى المعارضة..

ثالثاً : أما في شرط بناء وتوسيع شرعية النظام السياسي : فإن هذا الشرعية تقوم على مبدأ الفصل بين السلطات وهذا المبدأ انتفى بالكامل أمام تغول للسلطة التنفيذية ..وحتى هذه السلطة أخذت بالتلاشي أمام سلطات ولدت خارج رحم الدستور .. ولعل من إرهاصات هذه الحالة .. ماتشهده السلطة القضائية من تذمر وتململ إذ شهد الجسم القضائي إرهاصات انتفاضتين في أقل من أربعة شهور .. ومن هذه الإرهاصات ما صرح به رئيس الحكومة الحالية في رده على سؤال تزوير انتخابات 2007 بالقول بأن حكومته كانت تدار من قبل المخابرات العامة والديوان الملكي ..
ومن عناصر بناء شرعية النظام السياسي إجراء انتخابات حرة ونزيهة تجسد مبدأ سيادة الشعب .. وتوسع وتعمق المشاركة السياسية التي تثري الفضاء السياسي العام.. وتأكيد  السياسات التوافقية بدون التضحية بالتعددية..

أما حال ما يسمى بالسلطة الرابعة – من صحافة وإعلام بما فيه الإعلام الإلكتروني– فقد أبدعت الحكومات المتعاقبة في فنون التضييق وتقييد حرية التعبير والتوسع بالعقوبات ...

هذه المعطيات وما سبقها من عوائق تضعنا أمام جملة من التساؤلات لعل منها :
·   هل يقبل الأردنيون بإصلاح ترقيعي احتوائي بديلاً عن مشروع تغييري جذري يبدأ بالدستور وينتهي بالأشخاص والأدوات؟
·         ما هو الهدف من الخطاب التحريضي التشكيكي بنخب وقادة الشعب الأردني ؟
·   كيف يمكن للأردنيين القبول بمشروع إصلاحي يحتاج إلى ثلاثين سنة ؟؟ فهل بقي من العمر ما يكفي للاطمئنان على مستقبل أبنائنا وأحفادنا في وطن حر .. وحياة كريمة ؟

إن مقاربة هذه التساؤلات في الحالة الأردنية تكشف عن جملة من الإشكاليات والمفارقات لعل منها :
1.  إن النظام السياسى لم يثبت استعداده للقبول بالإصلاح وما يطرح حالياً لا يعدو أن يكون لعباً في الوقت الضائع ..
2.   استجابات الحكومة لبعض مطالب الإصلاح غالباً ما تأتي شكلية بل في الغالب تأتي خطوة تراجعية إلى الوراء ( ومن أمثلة الإصلاحات التي شكلت خطوة للوراء التعديلات التي جاءت بها الحكومة السابقة لقانون الانتخابات .. كذلك الأمر مع مشروع الحكومة المعدل لقانون الاجتماعات العامة لعام 2011 الذي قدم يوم العاشر من آذار / 2011 لمجلس النواب .. فهذا المشروع جاء انتكاسة وتراجع حتى عن القانون النافذ حالياً والذي يشكل معضلة أمام التنمية السياسية !!
3.    رغم تراكم الغضب وتكاثر أسباب الانفجار.. يخرج علينا صناع القرار صباح مساء بقرارات استفزازية تحمل كل مضامين الاستهتار والتطنيش واحتقار مشاعر الناس..  وتكريس مبدأ التوريث وإعتماد نهج (إعادة التدوير - Recycling) للمناصب وفق  قاعدة التنفيعات .. وإدارة المزرعة ..

إن للاصلاح السياسي شروطه التي ينبغي أن تتوفر منها :
·        يتطلب الإصلاح الحقيقي إطلاق كل محركات التنمية البشرية والسياسية والإقتصادية والاجتماعية المستدامة ..
·        أن الإصلاح عملية مجتمعية ومسئولية جماعية تستوجب تعاوناً مؤسسياً..
·   الإصلاح بحاجة إلى إصلاحيين ..والديمقراطية بحاجة إلى ديمقراطيين، يتمتعون بالخلق والشجاعة وقوة الإرادة وصدق الانتماء .. ويمتلكون أدوات الحوار وثقافة التسامح، والقبول بالآخر .. واحترام قيم العدالة والمساواة والشفافية، وحقوق الإنسان، ( وليس شلل المحتكرين والمزورين والفسدة والمرعوبين) 
  • يقوم الإصلاح  على قاعدة المواطنة.. فلا إصلاح بدون مواطنة .. ولا مواطنة بدون حرية وعدالة ..

وعليه وحتى يتحقق الإصلاح لا بد من

1.  إرادة سياسية جادة .. تطلق عملية إصلاحية جذرية واسعة وهذه حتى يومنا هذا غير متوفرة .. إلا على صعيد معسول الكلام!!
2.  التخلص من ثقافة القطيع وسياسة الهيمنة والإخضاع .. وهذه أيضاً غير متاحة لأنها ثقافة راسخة رسوخ البتراء ..
3.  استنبات مشروعنا الإصلاحي /التغييري الخاص في تربتنا .. ومن واقعنا وبما يلبي احتياجاتنا وطموحاتنا ويحقق شخصيتنا الحضارية .. وهذا أيضاً غير متاح أمام الانبهار بالخطاب العولمي ومشاريعه وبرامجه..
4.  تعريف الثوابت الوطنية من جديد .. و تحديد وتعريف الأولويات الوطنية وجدولة برنامج المقاربة وخطة التحرك.. وهذه أيضا ًغير متاح إذ أننا أمام ضبابية كثيفة تحول دون الاتفاق على ماهية الثوابت والأولويات ..
ما العمل
·   مراجعات حقيقية وصادقة تطال السياسات والاداء والنخب .. فالمطالب عادلة ومحقة ولكن المهم ان نمتلك الارادة اللازمة للاصلاح ونبقي على الزخم المطلوب لدفع العجلة الى الامام، فاي تراجع او تعثر سيخلف نتائج كارثية خاصة في هذا الزمن، زمن الثورات العربية.
·         إن عملية الإصلاح السياسي الحقيقي يتطلب حالة استنهاض شمولي راشد وهادف ..   
  • لقد آن الأوان أن نسير بخطى ثابتة نحو إصلاح جذري حقيقي يعيد الإعتبار للشعب باعتباره مصدراً للسلطات – كل السلطات – إصلاح يستعيد فيه الأردنيون وطنهم وذاتهم الوطنية.. لقد مل الناس عقود عجاف من  تكميم الأفواه والتحكم بمقدرات الأوطان ومصائر الشعوب والوصاية عليها ..

اليوم يبرز الإصلاح كمطلب شعبي أردني عام .. مما يجعله ضرورة وطنية لا يمكن تجاهلها.. وفي هذا السياق ينبغي التحذير من أن المضي في  طريق التسويف والمماطلة واللعب على الوقت سوف تؤدي إلى الفشل والانتكاس .. كما سيؤدي إلى تعزيز جبهة الاستبداد ..  وإضعاف عزائم الشباب .. فإذا ما انتكس هذا الحراك – لا سمح الله- ومضت الحكومة في سياسات التسويف والمماطلة والترقيع والاحتواء والتلاعب بالعقول والمشاعر عندها انتظروا الانفجار .. ولنتذكر بأن سبب الثورات في المنطقة هو تدني منسوب الكرامة لدى المواطن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق