السبت، 12 فبراير 2011

أين العرب من المعركة القضائية ضد مجرمي الحرب ؟

أين ين العرب من المعركة القضائية ضد مجرمي الحرب ؟
د. عيدة المطلق قناة

في ظل تواطؤ أو صمت دولي ارتكبت "إسرائيل " في حروبها الدموية التدميرية المفتوحة على الأمة منذ عام 1948 وحتى يومنا هذا جرائم نكراء صدمت ضمير الإنسانية غير مرة.. ولكن هذا الضمير الإنساني اكتفى طوال الوقت بإدانات خجولة عابرة.. ما كان من شأنها إلا تحفيز المزيد من العدوانية والوحشية .. لقد انخرط في هذه الحروب جميع مكونات هذا الكيان "الإسرائيلي" ( حكومة وشعباً وجيشاً ومؤسسات مدنية).. وتورط المئات من الجنود والضباط والقادة والسياسيين مباشرة بارتكاب جرائم حرب .. بل إنهم ارتكبوا كافة أشكال الجرائم الموصوفة بالقانون الدولي،  وخاصة "اتفاقية جنيف الرابعة" ، فضلاً  عن كافة الجرائم التي حددتها المواد ( 5 و6 و7 و8) من "نظام روما الأساسي" الخاص بـ"المحكمة الجنائية الدولية" .. ولكن الجرائم التي ارتكبت في الحربين الأخيرتين في عام (2006) على لبنان وفي عام (2008) على غزة – حظيت بشهادة شهود دولييين .. وتم توثيقها بالصوت والصورة .. وأكدتها تقارير اللجان والمنظمات الحقوقية ( المحلية والإقليمية والدولية).. والتي كان "تقرير جولدستون" تتويجاً لها..!!

وضعت تلك الحقائق الدامغة المئات من المسؤولين الإسرائيليين الكبار (سياسيين وأمنيين وعسكرييين)  في مواجهة التهديد بالملاحقة والمثول أمام القضاء في العديد من دول العالم ..
وها نحن اليوم بصدد حراك قانوني قضائي واسع النطاق.. إذ تقدم  نحو ( 350 ) منظمة وجمعية مدنية ونقابية مع عدد كبير من المحامين العرب والأوروبيين باسم (التحالف الدولي من أجل محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة)  بدعوى قضائية إلى "المحكمة الجنائية الدولية"  في "لاهاي الهولندية"  ضد "إسرائيل".. وفي بريطانيا هناك حراك قانوني لافت  ضد جرائم ومجرمي الحرب "الإسرائيليين " ، ولعل من  رموزه المحامي البريطاني "دانيال ماكوفر".. الذي أكد بأن الملاحقات القضائية للشخصيات العسكرية والسياسية الإسرائيلية ستبقى قائمة ، ولن يفلت أي منهم من القضاء.. وماكوفر يعمل على توسيع نطاق تطبيق الملاحقة القضائية لمرتكبي الاعتداءات على حقوق الإنسان في أي مكان في العالم!!

في ذات السياق أصدرت محكمة "وستمنستر البريطانية" في الرابع عشر من ديسمبر2009  أمراً باعتقال "تسيبي ليفني " وزيرة الخارجية الصهيونية السابقة بشأن اتهامات بارتكاب جرائم حرب" .. وذلك بعد أن طالب الفرع البريطاني "للمنظمة العالمية ضد الصهيونية" بـ"محاكمتها"  باعتبارها تتحمل مسئولية كبيرة عن الفظائع التي ارتكبتها قوات الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة"..!!

ورغم تعدد مذكرات الاعتقال ..وتعدد الملاحقات القضائية لمجرمي الحرب الصهاينة إلا إن مذكرة الاعتقال البريطانية ضد "ليفني" تكتسب أهمية خاصة ؛ إذ جاءت في أعقاب اعتماد  "تقرير جولدستون "‏ الذي قدم  البينات الموثقة على  ارتكاب إسرائيل لكافة أشكال الجرائم الموصوفة في القانون الدولي ؛ وفتح الباب واسعاً أمام ملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة في المحاكم الدولية والوطنية ( وخاصة الأوروبية)..  وحيث أن القوانين المعمول بها حاليا تسمح بإصدار أوامر بإلقاء القبض على المطلوبين في حال دخولهم البلدان الأوروبية ، فقد حصل عدد  من المحامين في بريطانيا ودول أوروبية على توكيلات من مواطنين فلسطينيين لتقديم دعاوى باسمهم ضد القيادات العسكرية والسياسية "الإسرائيلية" بموجب القوانين البريطانية!!

إذن هناك مؤشرات مهمة لصحوة ضمير عالمية تتجلي في بوادر لتشكل رأي عام عالمي جديد أخذ ينظر لإسرائيل بأنها أكبر تجمع لمجرمي الحرب والإرهابيين ومنتهكي حقوق الإنسان في العالم..وفي بريطانيا هناك تحرك برلماني مهم للدفاع عن القانون البريطاني وقطع الطريق على المحاولات الصهيونية لتعديل وتغيير النصوص في هذا القانون.. وفي بريطانيا أيضاً تم تشكيل   منظمة (الضمير الساطع) الحقوقية التي تضم عدداً من المحامين البريطانيين لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين.!!

السلطة الصهيونية من جانبها إذ تدرك بأنها الخاسر الأكبر في هذه المعركة أخذت تتحسب لمثل هذه الملاحقات منذ قيام "المحكمة الجنائية الدولية" عام 1998  ..ففي أعقاب حربها على "غزة " في عام 2009 - وفي سابقة هي الأولى من نوعها - حظر الجيش "الإسرائيلي" نشر أسماء أو صور كل من شارك في "حرب غزة" وخصوصاً قادة الكتائب.. كما أعلنت حكومة إيهود أولمرت عن اتخاذها إجراءات وقائية لمنع أي ملاحقة قضائية ضد قادتها وجنودها الذين شنوا الحرب على غزة في 22 يوماً ..فمن هذه الإجراءات – على سبيل المثال- تكليف لجان  قانونية ودبلوماسية بإعداد كل الدراسات والاستعدادات الممكنة لمواجهة هذه الملاحقات بكافة الوسائل التي تتوافر للحكومة الإسرائيلية. !!
وفي إطار تلك الإجراءات حذرت "تسيبي ليفني" دول العالم من تداعيات سلبية لأي دعوى جنائية، ترفع على ضباط وساسة إسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب على العلاقة مع "إسرائيل".‏ .. فضلاً عن التحذيرات والتهديدات التي صدرت عن نتنياهو ؛ إلى جانب الضغوط "الإسرائيلية" على الحكومات الغربية لتغيير قوانينها التي تتيح محاكمة الجنود والضباط من كل جيوش العالم المتورطين بجرائم مماثلة .. ناهيك عن استنفار منظمات الضغط اليهودية في الولايات المتحدة لتخويف الكونغرس وإدارة أوباما من إمكانية محاكمة جميع الإدارات الأميركية بارتكاب جرائم حرب بسبب الحروب التي يخوضها الجيش الأميركي في مختلف المناطق ويتسبب من خلالها بقتل آلاف المدنيين الأبرياء.

ذلك غيض من فيض الضغوط والتحركات "الإسرائيلية" المنسقة والمكثفة لتجنب المعركة القضائية ..
ولكن يبدو أن العالم اليوم أمام تحول مهم عنوانه  "لقد ولى زمان الإفلات من العقاب"..

فما هو المطلوب من العرب؟
 لا بد أن نستذكر أولاً بأن جرائم الحروب لا تسقط بالتقادم.. وعليه فإن  كافة المجازر والجرائم التي ارتكبتها إسرائيل بحق الأمة على مدار أكثر من ستة عقود ، تؤهل المسؤوليين الإسرائيليين للوقوف أمام العدالة الدولية لمحاكمتهم عليها ..  !!
فهل يتحرك العرب لخوض غمار هذه الحرب القضائية التي فتحت من أوسع أبوابها ؟؟  آخذين بالاعتبار أن العدالة كل لايتجزأ.. وأن الضمير الإنساني لا يحمل إستثناءات!!

eidehqanah@yahoo.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق