الأحد، 13 فبراير 2011

عافية الصديقي : حكاية ظلم

عافية صديقي .. حكاية ظلم
د. عيدة المطلق قناة

تمر الأيام العالمية للمرأة بمرور الأعوام وتبقى المرأة المسلمة..  تتعرض للعديد من الانتهاكات والجرائم في حقها ..وفي مقدمتها الانتهاكات التي تتعرض لها النساء المعتقلات في السجون الأمريكية .. سواء كانت في داخل الولايات المتحدة أو خارجها .. ولعل حكاية الدكتورة "عافية صديقي"  تكاد تكون الأكثر إيذاء للوجدان .. فعافية امرأة باكستانية مسلمة محجبة،  نحيلة الجسم ، صغيرة الحجم .. في العقد الثالث من عمرها .. قضتها بهدوء وطلب للعلم والمعرفة .. إذ قضت ردحاً مهماً من حياتها في الولايات المتحدة حيث درست طب الأعصاب في "معهد مسشوستس للتكنولوجيا" (MIT) (من أكبر جامعات أمريكا) .. لتنضم لركب عائلتها الطبية حيث أنها "ابنة لطبيبة ، وشقيقة لطبيبة أخرى..وزوجة لطبيب ، وأم لثلاثة أطفال بقوا برعايتها بعد انفصالها عن زوجها.. !!

في مارس عام 2003 م سافرت من (راولبندي) حيث مقر عملها إلى (كراتشي) لتزور والدتها وأختها، وبعد انتهاء الزيارة خرجت من بيت أمها تقلُّها سيارة أجرة لتوصلها إلى المطار، ولكنها لم تصل، ولم يعلم عنها أحد شيئاً .. اختفت مع أولادها الثلاثة، وكان عمر أكبرهم أربع سنوات، وأصغرهم لم يكن ليتجاوز الشهر الواحد.. وحين حاول أهلها السؤال عنها مُنعوا من ذلك.. بل اتصلت الاستخبارات الباكستانية بأمهــا وأختهــا تطالبهما بالتزام الصمت، وبعد فترة حين ألحَّت الأم لمعرفة مصير ابنتها وأحفادها اتصل بها وزير الداخلية آنذاك وهو (فيصل حياة)، ووعدها بعودة ابنتها وأولادها الثلاثة إليها قريباً، ولكنهم لم يعودوا.. حتى اللحظة!!

غابت أخبار عافية ..وبقيت حكايتها طي الكتمان دون أن يعلم أحد عن مكان احتجازها أو التهمة التي احتجزت بسببها .. حتى أخذت تتسرب الأخبار عن امرأة مجهولة الهوية يشار إليها  بـ"سيدة باجرام الحزينة السجينة رقم 650 " لطمس شخصيتها الحقيقية .. اعتقلت مع الرجال في  (سجن باجرام) الأفغاني- الأمريكي " السيئ الصيت".. عاشت فيه حياة بائسة ، فالحراس يتسلون بتعذيبها .. أمام بصر وسمع نظرائها من المعتقلين .. فحفرت حكايات تعذيبها أخاديد عميقة يصعب أن تمحوها الأيام في قلوبهم ووجدانهم!!!..

لم يدر بخلد أحد أن عافية تشترك في محنتها مع أكثر من خمسمائة شخص .. اختطفتهم السلطات الباكستانية العسكرية من بين أهاليهم وباعتهم إلى أمريكا بثمن بخس دولارات معدودة.. وأحاطت هذه السلطات أخبارهم بالتكتم الشديد .. بل إن مصير الكثيرين منهم ما يزال مجهولاً حتى يومنا هذا .. لقد منعت أهاليهم وأقاربهم من البحث والسؤال عنهم..
لكن أحد هؤلاء البؤساء كان (معظم بيك ).. قضى في باجرام فترة من الزمن اعتاد خلالها سماع صرخات تلك المرأة .. وحين نقل إلى "غوانتانامو" ..ظلت تلك الصرخات حاضرة في وجدانه وسمعه وضميره.. وبعد الإفراج عنه في عام  2005م قام بتأليف كتاب أسماه ( المقاتل العدو) (Enemy Combatant)  سجَّل فيه كل ما رآه وشهده من مظاهر الظلم والجبروت الأمريكي، ولم ينسَ أن يذكر السجينة رقم (650) وصرخاتها التي كانت العلامة الوحيدة الدالة عليها.

قرأت الصحفية البريطانية (إيفون ردلي) (السجينة السابقة لدى طالبان - التي أعلنت إسلامها) ما كتبه (معظــم بيك)، ؛ فدفعها حسها الصحفي إلى البحث عن هوية تلك السجينة المجهولة وبعد البحث والتحري اكتشفت أنها ليست إلا الدكتورة (عافية صدِّيقي) الطبيبة الباكستانية المتخصصة في علم الأعصاب التي اختفت من كراتشي في عام 2003م..!!
أعلنت (إيفون ريدلي) خبرها على العالم؛ ثم بدأت حملة مكثفة للتوعية بقضية عافية صديقي.. وفي إطار حملتها قامت في أكتوبر / 2009 بجولة شملت ست ولايات أمريكية منها ألباما، وجورجيا ، وميلواكي ، وتكساس، ألقت خلالها المحاضرات وأقامت الحوارات .. والتقت بالنشطاء والطلبة .. وزارت الجامعات والجمعيات والروابط .. وكتبت المقالات وأجرت المقابلات الصحفية والتلفزيونية.. ناشدت المسؤولين .. وعبأت النشطاء للتحرك في هذه القضية التي تمثل قمة الظلم الأمريكي.. !!

نجحت (ريدلي ) في استثارة الرأي العام العالمي .. وأخذ يتابع قضية "عافية صديقي "  أعدادا كبيرة من النشطاء والحقوقيين.. وكشف هؤلاء عن تعرض "عافية " خلال وجودها في السجن لأنواع شتى من التعذيب تفوق قدرة أقوى الرجال على تحمله .. وقد أكد عضو البرلمان البريطاني المسلم (اللورد نذير أحمد) بأنها تعرَّضت لأشد أنواع التعذيب الجسدي والنفسي حتى أصيبت بأمراض نفسية خطيرة فقدت ذاكرتها على إثرها؛ كما صرح  بأنها تعرضت للاغتصاب من قبل الجنود الأمريكيين في سجن (باجرام).. !!

حين افتضح الأمر - بعد تكتم شديد استمر خمس سنوات- اضطرت السلطات الأمريكية لتوجيه اتهامات ملخصها "محاولة نسف مكتب الحاكم الإقليمي في غزنة،  و محاولة قتل ضباط أمريكيين في أفغانستان، وتهمة الانتماء للقاعدة" (  إذ تزعم السلطات الأمريكية أن صديقي كانت متزوجة من ابن أخ خالد شيخ محمد المتهم بالتخطيط لهجمات 11 سبتمبر)!! .. وقدمت صديقي للمحاكمة على أساس تلك التهم  التي وصفتها محامية عافية " إلين شارب" بالسخيفة.. وقالت بأنها "قصة غير ممكنة التصديق...

أما عن وحشية المعاملة فدلالتها أنها حين ظهرت لأول مرة في إحدى محاكم نيويورك لتحاكم على تلك الاتهامات الملفقة الغريبة قبل أشهر معدودة.. كانت لا تستطيع الوقوف .. تستند إلى آخرين أثناء الوقوف والمشي.. وتبدو هزيلة وضعيفة.. والدم ينزف منها، وآثار التعذيب بادية عليها.. وقالت  شقيقتها ( الطبيبة فوزية صديقي) بأنهم "عاملوها معاملة قاسية وصلت إلى درجة أنهم أخذوا أجزاء من جسمها ومنها كليتها؛ إمعاناً في تعذيبها، وأضافت أن أختها الآن بين الموت والحياة، وربما تفقد حياتها قريباً إذا لم تسعف بعلاج جدي"..وتقول بأنه حين طلبت الدكتورة (عافية) أن تعالجها طبيبة امرأة رفضوا ذلك بحجة عدم وجود طبيبات نساء.. وتؤكد بأن السلطات الأمريكية لم تهتم بعلاجها، بل إنهم يفضلون موتها على حياتها .. ليدفن معها سرها الذي بدأ يقلقهم .. !!

تلك هي بعض ملامح حكاية الدكتورة العالمة  "عافية صديقي " أول امرأة على لائحة إف بي آي (FBI) الإرهابية .. تهمتها الشروع في القتل والاعتداء على ضابط أمريكي.. وقبل التحقق والثبوت لاقت من التعذيب الوحشي مالا يطيقه بشر ..!!

إنها حكاية تجسد أنموذجا عن ثقافة الكراهية والخداع الأمريكية .. كما تجسد مثالاً على التلفيق والتزوير والفبركة .. فضلاً عما تمثله من سمات السلوك الأمريكي المتوحش تجاه العرب والمسلمين !!

إنها حكاية حقيقية لانتهاك شرف المرأة المسلمة على يد جنود سلطة محتلة فاجرة .. ولكن جريمة الشرف هذه لم تحرك غضبة أشاوس الأمة التي طالما حركتهم جرائم الشرف المزعومة!!
eidehqanah@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق