الأحد، 25 مارس 2012

عائض القرني يتحدث عن دمشق



د. عائض القرني- الشرق الأوسط 

قبل مدّة زرتُ دمشق فسطرتُ فيها هذه الرسالة:

* «
سَلامٌ من صِبَا بَردى أرقُّ ودَمعٌ لا يُكَفكَفُ يــا دِمِشقُ

ومعذرة اليَرَاعة والقَوافِي جَـلال الرزء عن وَصفٍ يَدقُ

دخَلتُكِ والأصِيلُ له ائتِلاقٌ ووجهك ضاحك القسمات طلقُ»..

السلامُ عليك يا أرض شيخ الإسلام، ورحمة الملك العلام، أيها الحضور الكرام، في دمشق الشام.

يا دمشق ماذا تكتب الأقلام، وكيف يرتّب الكلام، وماذا نقول في البداية والختام؟

في دمشق الذكريات العلمية، والوقفات الإسلامية، والمآثر الأموّية. وفيها يرقد ابن تيمية، وابن قيم الجوزية. وفي دمشق حلقات الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية.

يحق لحسّان أن ينوح على تلك الأوطان، ويسكب عليها الأشجان:

* «
لله در عصابة نـادمتهم يوماً يحلق في الزمـان الأولِ

أبناء جفنة حول قبر أبيهم قبر ابن مارية الكريم المفضلِ»..

تذكّرك دمشق بمعاوية بن أبي سفيان، وعبد الملك بن مروان، وبني غسان، والشعر والبيان، والمجالس الحسان. دمشق سماء زرقاء، وروضة خضراء، وقصيدة عصماء، وظلٌّ وماء، وعلوّ وسناء، وهمّة شمّاء. ما أبقى لنا الشوق بقية، لما سمعنا تلك القصيدة الشوقية، في الروابي الدمشقية:

* «
قمر دمشقي يسافر في دمي وسنابلٌ وخمــــائلٌ وقبابُ

الحبُّ يبدأ من دمشق فأهلـه عشقوا الجمال وذوّبوه وذابوا

والماء يبدأ من دمشق فأينما أسْنَدتَ رأسك جدولٌ ينسـابُ

ودمشق تهدي للعروبة لونها وببــابها تتشكلّ الأحـزابُ»..

في دمشق أكبادٌ تخفق، وأوراق تصفق، ونهرٌ يتدفق، ودمع ٌيترقرق، وزهرٌ يتشقق.

دخلنا دمشق فاتحين، وصعدنا رباها مسبّحين. فدمشق في ضمائرنا كل حين. وهي غنيّة عن مدح المادحين. ولا يضرّها قدح القادحين.

آه يا دمشق كم في ثراك من عابد، كم في جوفك من زاهد، كم في بطنك من مجاهد، كم في حشاك من ساجد. أنت يا دمشق سفر خلود، وبيت جود، منك تهبّ الجنود، وتحمل البنود. يصنع على ثراك الأحرار، ويسحق على ترابك الاستعمار، ويحبّك يا دمشق الأخيار. فأنت نعم الدار. تقطّع إليك من القلوب التذاكر، من زارك عاد وهو شاكر، ولأيّامك ذاكر، يكفيك تاريخ ابن عساكر، صانك الله من كل كافر..

* «
ألقيت فوق ثراك الطاهر الهدبا فيـا دمشق لماذا نكثر العتبــا؟

دمشق يا كنز أحلامي ومروحتي أشكو العروبة أم أشكو لك العربا؟

أدمت سياط حزيران ظهورهـم فأدمنوها وباسوا كف من ضربـا

وطالعوا كتب التاريخ واقتنعـوا متى البنـادق كانت تسكن الكتبا؟»..

في دمشق روضة العلماء، وزهد الأولياء، وسحر الشعراء، وحكمة أبي الدرداء، وجفان الكرماء.

في دمشق عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد، والملك الزاهد، والوليّ العابد، يطارد الظلم والظالمين، ويحارب الإثم والآثمين، فيذكّر الناس بالخلفاء الراشدين، ويعيد للإسلام جماله في عيون الناظرين.

في دمشق براعة ابن كثير، وعبقرية ابن الأثير، وتحقيق النووي، وفطنة ابن عبد القوي..

* «
لولا دمشق لما كانت بلنسيةُ ولا زهت ببني العباس بغدانُ

أتى يصفق يلقانا بهـا بردى كما تلقاك دون الخلد رضوانُ»..

يكفيك أيها الشام السعيد، أن فيك القائد الفريد، والبطل السديد، خالد بن الوليد. سيف الله الهمام، كاسر كلّ حسام، أغمد في الشام، السلام عليك يا أبا سليمان، يا قائد كتيبة الإيمان، ويا رمز كتيبة الرحمن..

* «
يا ابن الوليد ألا سيف تناولنا فإن أسيافنا قد أصبحت خشبا

لا تخبروه رجاءً عن هزائمنـا فيمتلئ قبرُه من قومه غضبا»..

صحّح الألباني، المحدّث الرباني، أحاديث في فضل تلك المغاني.

وأول أبيات في الأغاني، لأبي الفرج الأصبهاني. في وصف دمشق وتلك المباني.

حيث يقول الشاعر:

* «
القصر والبئر والجماء بينهما أشهى إلى النفس من أبواب جيرونِ»..

وقد نسي ابن كثير نفسه، وملأ بالمدح طرسه، لما تحدّث عن دمشق، فقلمه بالثناء سبق، وبالإطراء دفق، وحار الحكماء في وصف دمشق وطيب هوائها، وعذوبة مائها، واعتدال أجوائها، وذكاء علمائها، وبلاغة خطبائها، وتقدّم شعرائها، وعدل أمرائها، وجمال نسائها، حتى إن بعض العلماء ذكر أن دمشق أم البلدان، وأنها في الدنيا جنة الجنان..

* «
دمشق الشام كل حديث ركبٍ يقصّر عنك يـا نون العيونِ

كأنك جنة عرضت بدنيـــا أثار على هوى قلبي شجوني»..

دخل دمشق الصحابة، كأنهم وبل سحابة، أو أسد غابة. فلقيتهم بالأحضان، وفرشت لهم الأجفان، فعاشوا على روابيها كالتيجان. في دمشق فنون وشجون، وعيون ومتون، وسهول وحزون، وتين وزيتون. دمشق جديدة كل يوم، وهي حسناء في أعين القوم، وقد بكى من فراقها ملك الروم. إذا دخلت دمشق تتمايل أمامك السنابل، وتتراقص في ناظريك الخمائل. وتصفّق لقدومك الجداول، وترحّب بطلعتك القبائل. دمشق أعيادها يومية، وأعلامها أموّية، وأطيافها سماوية، وبسيوف أهلها محمية.

دمشق في الحسن مفرطة، وبجواهر الجمال مقرطة، وفي الطقس متوسطة..

* «
فارقتها وطيور القاع تتبعني بكل لحن من الفصحى تغنيني

*
كأنما الطير يهوى حسن طلعته بانت دمشق فيا أيـامنا بيني»..

الجمال دمشقي: لأنه لا بدّ له من روضة فيحاء، وخميلة غنّاء، وحبة خضراء، وظلّ وماء.

والحبّ دمشقي: لأنه لا بدّ له من أشواق مسعفة، وأحاسيس مرهفة، وألمعية ومعرفة.

كتب ابن عساكر في دمشق تاريخ الرجال، وسطر المزي في دمشق تهذيب الكمال، وألّف الذهبي في دمشق ميزان الاعتدال، واحتسب ابن تيمية في دمشق الردّ على أهل الضلال، وأرسل لنا المتنبئ من الشام تلك القصائد الطوال، وذاك السحر الحلال..

* «
قالوا تريد الشام قلت الشام في قلبي بنت في داخلي أعلاما

هي جنة الدنيـــا فإن أحببتها فالحسن محبوب وقلبي هاما»..

في دمشق رسائل الياسمين، ودفاتر اليقطين، ومؤلفات النسرين، للحمام بها رنين، وللعندليب بها حنين، كأنها تقول: «ادخلوها بسلام آمنين».

ليس لدمشق الشام، دين غير الإسلام. فُطرت دمشق على الإيمان، ولذلك طردت الرومان، ورحّبت بحملة القرآن. ليس بقيصر الروم في دمشق قرار، ولذلك ولّى الأدبار، ولاذ بالفرار، لأنّ الدار دار المختار، والمهاجرين والأنصار..

* «
من مخبر القوم شطّت دارهم ونأت أني رجعت إلى أهلي وأوطاني

بالشام أهلي وبغداد الهوى وأنـــا بالرقمتين وبالفسطاط جيراني»..

في الشام يرقد سيف الدولة الملك الهمام، وابن نباتة خطيب الأنام، وابن قدامة تاج الأعلام، وأبو فراس الحمداني الشاعر المقدام. وفي دمشق سكن الزهري المحدّث الشهير، والأوزاعي العالم النحرير، والبرزالي المؤرخ الكبير، والسبكي القاضي الخطير.

أتانا من دمشق كتاب «رياض الصالحين»، وكتاب «روضة المحبين»، و«نزهة المشتاقين»، وكتاب «عمدة الطالبين»، وكتاب «مدارج السالكين»، وكتاب «أعلام الموقعين».

فسلام على دمشق في الآخرين.

كلمة د. عيدة المطلق قناة في مهرجان الإصلاح طريقنا للكرامة


تجمع أردنيات من أجل الإصلاح
السبت 24/3/2012

 أيها الأحرار .. أيتها الحرائر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومرحباً بكم ..
تحية الكرامة والانتصار ..  وطوبى لشهدائنا شهداء جيشنا العربي المصطفوي الذين صنعوا لنا كرامة نزهو بها .. وطوبى لشهداء الأمة وأحرارها وحرائرها الذين صنعوا لنا ربيعاً نتنسم فيه الحرية والكرامة من جديد !!

واليوم وفي غمرة احتفالات الأردنيين بيوم الكرامة المجيدة ..واحتفال العالم بيوم المرأة ويوم الأم ..   تحضر المرأة في قلب المشهد بقوة .. ويحضر معها المشترك من الهم والغرم في الساحة العربية .. فما  تتعرض لها شقيقاتنا العربيات في غير مكان يستحق التوقف ..

فقبل أن نلج إلى الربيع العربي نتوقف عند مفردات الحياة اليومية  لشقيقتنا الفلسطينية .. فنجدها تراوح بين القتل والتعذيب والاعتقال .. وغياب الزوج والأبناء .. أو تغييبهم قسريا.. وهدم البيوت و مصادرتها والممتلكات  .. وقطع الأرزاق وقطع الأشجار.. نهب المياه والموارد.. تقطيع أوصال الناس ومنع تواصلهم .. أما معاناة الانتقال عبر الحواجر والجدر العازلة فحدث ولا حرج.. ناهيك عن شظف العيش والفقد والانتظار .. وتقف على قمة هذا الهرم من العذابات معاناة شقيقاتنا الأسيرات وفي ذروة هذه الهرم اليوم تقف المجاهدة "هناء الشلبي".. !!

أيها الحفل الكريم:
في هذا الربيع العربي  .. تقدمت المرأة صفوف الثائرين تنشد الحرية والكرامة للوطن والمواطن.. وتدفع بحركة التغيير بقوة نوعية وتعيد تشكيل المشهد بالتفاصيل التي تمهر بها النساء   .. فانتزعت اعتراف العالم بالمرأة العربية والمسلمة  وانتزعت احترامه بل واستحقت التكريم عبر شقيقتنا اليمنية توكل كرمان !!

ولكن الربيع العربي ذاته - رغم بهائه -  اصطبع بالإحمر القاني في كل الساحات .. على أن الدماء في الساحتين الليبية والسورية كانت أنهاراً جرفت وستجرف أنظمة الاستبداد والطغيان .. وإذ حطت الثورة الليبية رحالها لينصرف الليبيون والليبيات لإقامة دولة العدل والمواطنة.. فإن الثورة السورية ما تزال تواجه استعصاءات خطيرة ودامية.. وتسجل أعلى مستويات القمع والقتل والتنكيل والإبادة الجماعية .. وكل مفردات الجرائم الموصوفة ضد الإنسانية.. فقد رصدت منظمة العفو الدولية ( أمنستي انترناشنال) حتى تاريخ (واحد وثلاثين) شكلا من أشكال التعذيب  نالت من الجميع من  الأطفال الرضع وحتى  الشيوخ الركع... وكان لشقيقتنا السورية نصيب مضاعف .. اعتقالاً واختطافاً وتنكيلاً وقتلاً وتعذيباً وتقطيع الأوصال أما الاغتصاب فحدث ولا حرج ( فحسبنا الله ونعم الوكيل) !!

ومع كل هذه العذابات ظلت  المرأة الفلسطينية والسورية تقدم في كل يوم نماذج فريدة في البطولة والشجاعة والإقدام .. وقدرة فائقة على التضحية .. فضلاً عن التفوق والإبداع  والتميز .. نماذج تمحو  كل آثار العدوان على صورة المرأة العربية التي أعملت فيها الأيادي الخبيثة مسخا وتشويهاً وتحريفاً!!

لقد خرجت المرأة العربية على شرط المرأة في أزمنة الهزيمة والانكسار ..  فكانت تلك الصورة الباهية للمرأة الثائرة العابرة للطبقات والمهن .. وأمام هذا المشهد النسوي العربي تغيب الكلمات وتتصاغر وما هي في الأصل إلا من باب أضعف الإيمان .. وبهذه المناسبة نقول عذراً .. وننحني إكباراً واعتزازاً.. للمجاهدات في سجون الاحتلال .. والمرابطات في مدينة القدس وعلى مصاطب الأقصى .. وللثائرات في كل الساحات .. إذ       يزرعن الأمل في غابة اليأس ..ويكتبن  بنجيع الدم الطاهر تاريخاً مشرفاً للأمة والإنسانية.. إشراقات لا يسعنا أمامها إلا أن نردد قول الحق جل وعلا [ وبشر الصابرين ]..  !!

وأما على الصعيد الوطني الأردني فإننا في تجمع ( أردنيات من أجل الإصلاح )  نتوقف لمراجعة مسيرتنا الوطنية الإصلاحية  .. فنرى أن مشوارنا ما يزال طويلا ً.. ومسيرتنا ما تزال تعاني من إشكاليات عديدة نشير إلى بعضها لضيق المجال عن التفاصيل :

أولاً:  في مكافحة الفساد
·      مازال الإنجاز على هذه الجبهة متواضعاً جداً بل ويستثير المخاوف والتساؤلات ..فهل نحن جادون في ملاحقة كل من تدور حولهم الشبهات في مجال استثمار السلطة أو الإخلال بواجبات الوظيفة أو الاعتداء على المال العام ؟  أم نمضي في غينا القديم نحرف مسار العدالة تارة بقوى الشد العكسي؛ وبالاصطفافات العشائرية تارة أخرى؟

ثانياً : في الإصلاح الديمقراطي :
·      بحت الأصوات المطالبة بالديمقراطية والحرية .. ولكن الممارسات ما تزال بعيدة عن تحقيق العدل والمساواة .. وعن التزام شروط الديمقراطية في ضرورة "تلازم السلطة بالمسؤولية" .. وإعمال الرقابة والمحاسبة والمساءلة والشفافية والنزاهة !!...

ثالثاً : في أداء المؤسسات والسلطات يتساءل الأردنيون وبمرارة :
·      لماذا يتناقض النواب مع مشاعر الناس الذين يدعون تمثيلهم؟ أم أنهم جزء من معادلة المصالح المتبادلة .. ؟
·      لماذا تتضاعف مديونيتنا ويرتفع عجز موازناتنا عاماً بعد عام؟ ولماذا نزداد فقرا؟  و لماذا لا يحاسب السارقون في وطننا ؟ ولماذا باعوا كل مؤسسات هذا الوطن؟ ألكي نظل تحت رحمة المكرمات ؟ 
·      هل  قدر الأردنيين أن يعيشوا إلى أبد الآبدين في التقشف وشد الأحزمة وتسديد فواتير لم يشتروا بضاعتها ؟
·      ولماذ يختزل وطننا بأشخاص وعائلات ؟ أم أصابنا العقم العام ؟

رابعاً :  في الخيارات الأمنية
·      بعد اقتحام خيمة أحرار الطفيلة هل سيعود القمع سيرته الأولى ؟ قكيف سيأمن الإصلاحيون سيف السلطة ؟ ولماذا تترك الأجهزة مجموعات البلطجة تعتدي على المتظاهرين باليد واللسان والقنوة والحجر؟
·      و في ظل تحصين  الفساد ومنع الاقتراب من الفاسدين بالقوة هل سنظل نصدق وعود الإصلاح ؟

نكتفي بهذه الإشكاليات كأمثلة على أن الإصلاح لم يغادر الوعود والتسويف والكلام المنمق تارة .. والتلويح بالعصا تارة أخرى !!
إن الديمقراطية ليست مجرد آلية لاختيار الحكام بل هي منظومة من المبادئ والقيم والممارسات إما أن تؤخذ كلها أو تترك جلها ولا ينفع معها مقولة ( ما لا يدرك كله .. لا يترك جله )  ..

وعليه إننا في أردنيات من أجل الإصلاح إذ نقيم هذه الاحتفالية فإنما لنؤكد إصرارنا – مع كافة حراكات شعبنا الأردني.. على الإصلاح الناجز الذي يبدأ بالإصلاح الدستوري الكامل .. وتوفير الضمانات الكافية لإقامة دولة المواطنة على قواعد العدل والمساواة واحترام كرامة الأردنيين كل الأردنيين !!

كما نؤكد إيماننا بأن حقوق المرأة وكرامتها هي جزء من كرامة الوطن وحقوقه .. ولا يمكن أن تنال المراة حقوقها إلا حين ينال الأردنيون حقوقهم ويستعيدون سلطاتهم الدستورية كاملة غير منقوصة .. عبر عملية الإصلاح المتكامل التي باتت مفرداتها نشيداً يردده الأطفال !!
فلماذا  المرواغة؟؟  .. وهل سيظل الإصلاح في بلدنا أكثر شيء جدلاً؟؟

فإلى كل المشككين بجدية الشعب الأردني .. وإلى كل من يعولون على صبر الأردنيين .. نقول "حاذروا غضبة الحليم !!