المرأة في الربيع العربي .. إلى أين ؟
د. عيدة المطلق قناة
بالانتفاضة العربية الكبرى كان للمرأة العربية دوراً متقدماً ومؤثراً وواضحاً ..مما أدى إلى اهتزاز الكثير من التابوهات النمطية .. وأولها تلك التابوهات المتعلقة بوضع المرأة وأدوارها ..
ففي تونس ألهمت "والدة محمد البوعزيزي" شباب تونس" ( ذكوراً وإناثاً ) عبر النموذج الذي ضربته في الصمود أمام الطاغية .. ورفضها المساومة على حق ولدها .. – الذي هو في حقيقته حق للتونسيين بعامة - وحق للمظلومين والمسحوقين بالظلم والتهميش .. والقهر والاستبداد..
وحين توالى الانفجار الثوري على مدى الساحة العربية من المحيط إلى المحيط .. بدأ العالم ولأول مرة - بعد تاريخ طويل من الاستخفاف والاحتقار لهذه الأمة – بالتعرف على الوجه الحقيقي لهذه الأمة بعامة والوجه الحقيقي للمرأة بخاصة .. لأول مرة انزاحت الصورة التي عمل الإعلام والتعليم والخطاب السياسي والفكري على تشكيلها لهذه الأمة .. أما بالنسبة للمرأة فقد جرى قولبتها في ثلاثة قوالب محددة تراوح ما بين : ذوات الخدور وحريم السلاطين تجللهن السطحية والتفاهة من جهة .. يقابلهن في الطرف الآخر نساء مسحوقات بالفقر والتهميش تجللهن الدونية والجهل والذلة.. وما بينهما نساء - أرادوا لصورتهن أن تكون الأكثر وضوحاً والأعلى ضجيجا – هن ضحايا "قتل الشرف" والعنف الذكوري ..
هذه القوالب التي وضعوها لنساء هذه الأمة بمقدار ما شوهت صورة المرأة وأساءت لها فقد كانت أكثر نجاحاً في تشويه صورة الثقافة والدين والرجل بعامة.. ً
وعليه فإن الانتفاضة العربية الكبرى - بما كشفته من حقائق ظلت مستورة إلى يومنا هذا - لم تكن مفاجأة للأنظمة الاستبدادية المتكلسة فحسب .. بل كانت مفاجأة - من العيار الثقيل- للعالم بأسره .. وفي غمرة الذهول وتدوير المجهر على التفاصيل رأى العالم بالعين المجردة ذلك الحضور الصارخ للنساء في صدارة المشهد وفي قلبه .. !! رأى نساء من كل الطبقات الاجتماعية ومن كل التيارات الفكرية .. يتصدرن المسيرة الثورية ويصنعن الحدث المذهل .. ويعبرن بكل اللغات - بما فيها لغة الصم - وبطلاقة وجرأة ومباشرة عجز الساسة التقليديون عن مثلها .. يحددن أهداف الثورة.. ويؤكدن على إرادة الحرية والكرامة والتغيير .. وعلى العزم على الاستمرار حتى تحقيق كامل أهداف الثورة.. والمشاركة الكاملة في صناعة التحول التاريخي الكبير للأمة والمنطقة !!
وفي هذا السياق لا بد من التذكير بأن ما قدمته المرأة العربية من تضحيات - في جميع ساحات الثورة والتغيير العربية- لم يعد خافياً على أحد بل يشهد به العالم ومنظماته وما صدر عنها من وثائق وإحصائيات .. ولكن.. إذا كان من الطبيعي القبول بما نال وينال المرأة الثورية نصيبها من صنوف التعذيب والقمع والقتل والإصابات .. إلا أن ما لا يمكن القبول به أن تكون المرأة أبرز ضحايا "سلاح الاغتصاب" - الفردي والجماعي- .. فالأنظمة الاستبدادية - الساقطة أو تلك الآيلة إلى السقوط - التي اغتصبت السلطة واغتصبت الأوطان .. حين أخذت تفقد وزنها وسلطتها استدارت نحو أصل الحياة – نحو المرأة – لتدنيسها كما دنست الأوطان والتاريخ والهوية .. فشهد العالم ..ووثقت منظماته الإنسانية – لآلاف الضحايا لهذا السلاح التدميري .. في العراق وليبيا ، وهو اليوم السلاح الأشد فتكاً في الساحة السورية ..!!..
نكتفي بهذه الإشارة لنتساءل .. وماذا بعد ؟؟
لقد نجحت حتى تاريخه ثلاث أو أربع ثورات في إنجاز المرحلة الأولى .. وقبل أن تستوي السفينة على جوديها .. بدأت المرحلة الأصعب ألا وهي مرحلة الجهاد الأكبر المتمثلة في إعادة بناء الدولة من جديد .. وبناء مؤسساتها .. وإطلاق المشروع النهضوي الشامل.. عند هذا المفصل عادت المخاوف لتطل برأسها من كل حدب وصوب .. ولعل أخطرها تلك المخاوف من إعادة عجلة التقدم إلى الوراء ..من خلال السعي بمختلف السبل لإعادة النساء إلى مواقع التهميش مرة أخرى .. وإبعادهن عن المشاركة الجدية في "المشروع النهضوي للأمة "..
إن هذا التخوف لم يعد افتراضياً أو جدلياً .. بل إنه تخوف حقيقي وجدي ومنذر بالخطر.. وبالتالي يجب ألا يترك ليأخذ السفينة إلى مرافئ بعيدة عن أهدافها .. بل ينبغي أن تؤرق كل المخلصين وكل الفاعلين في هذه المرحلة ..
لقد كانت المرأة في الخطوط الأمامية .. وكانت ركناً أساسيا من أركان الانتصار .. وعليه ينبغي أن تبقى في تلك المواقع وآلا يصار إلى دحرها للمواقع الخلفية أو في أحسن الأحوال إلى المواقع الهامشية .. وبالتالي الانتقاص مرة أخرى من حريتها وكرامتها .. المنطقة تشهد إعادة تشكيل وعلى أسس جديدة وبالتالي لا بد أن تكون المرأة في كافة تفاصيل هذا التشكيل .. وبغير ذلك فكل احتمالات الفشل والارتكاس تبقى مفتوحة ..
إن الثورة – وبالتالي التغيير - ليست موقفاً ظرفياً محدداً في المكان والزمان والإنسان .. بل إنها عملية متواصلة عابرة للزمان والمكان والإنسان ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق