الاثنين، 13 يونيو 2011

محاكم الضمير الشعبية

محاكم الضمير الشعبية
 د. عيدة المطلق قناة


كثيراً ما تنادي الشعوب والمنظمات الأهلية والنشطاء في حركات التحرر العالمية وحركات حقوق الإنسان ومناهضة العولمة والعدوان والاحتلال بضرورة تفعيل منظومة القانون الدولي وخاصة " ميثاق حظر الإبادة الجماعية لعام 1948م" و "اتفاقيات جنيف الأربعة لتنظيم "العلاقات الدولية في حالة الحرب .. وغيرها .. في ملاحقة وجلب مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية .. والإبادة الجماعية، ومنتهكي حقوق الإنسان للعدالة الدولية .

لقد واكب قيام "الأمم المتحدة" وما اعتمدته من نظام "قانوني" متكامل لإدارة شؤون العالم صعود مذهل لحركات حقوق الإنسان.. فتنامى الوعي العالمي بأهمية العدالة الدولية والحد من جرائم الحروب وملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية!!

إلا أنه بسبب اختلال موازين القوى عشية قيام " الأمم المتحدة " فقد اقتصرت الملاحقة الدولية (خلال الفترة الممتدة من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى نهاية الحرب الباردة) على ملاحقة "مجرمي الحرب من ألمانيا واليابان" .. وفي أعقاب قيام "الكيان الصهيوني " في عام (1948) تم توظيف هذه الحركة العالمية الداعية لملاحقة مجرمي الحروب لمصلحة دعم المشروع الصهيوني بفلسطين عالمياً .. فتحولت الملاحقة لـ "مجرمين نازيين" بتهمة مشاركتهم في جرائم "نازية ضد اليهود" .. في حين ساد الصمت إزاء ملاحقة المجرمين في مئات الحروب والنزاعات الأخرى، رغم ما حفلت به من جرائم وما سقط فيها من ضحايا، بدءاً من فلسطين، مروراً بفيتنام، فالصومال وأفغانستان، فالعراق !!

ولكن أمام تفاقم "الجريمة الدولية" وسيادة "شريعة الغاب" في غير مكان من هذا الكوكب - وخاصة في أعقاب انتهاء الحرب الباردة – أخذ التصدي لمسألة انتهاكات حقوق الإنسان يأخذ مساراً أكثر جدية .. ففي عام 1990 صدرعن الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار القاضي بتشكيل "محكمة الجزاء الدولية"، وهو ما أدى إلى " اتفاقية روما" بإنشاء "المحكمة الجنائية الدولية" ..وبعدها تم التحرك بإنشاء محاكم إقليمية كان منها محكمتي جرائم " رواندا والبلقان" !!

إلا أن هذا الجهد – وإن نجح في امتصاص بعض النقمة العارمة الناشئة عن الحروب والعدوان والاحتلالات وما انطوت عليه من فظائع في مجال حقوق الإنسان – فقد واجه جملة من العوائق التي حالت دون تحقيق أهدافه .. فاصطدمت "العدالة الدولية" المنشودة بكثير من العوائق السياسية التي جعلت للحق معايير متعددة .. واستمرت في قياس العدالة بموازين مختلة .. مما جعل من الملاحقات والمحاكمات الدولية – في حال قيامها - شكلية وانتقائية !!

ولما ضاقت الشعوب ذرعاً بالهيمنة الأمريكية حين نصبت نفسها فوق القانون .. وفرضت لنفسها حصانة ضد الملاحقة وشملت بـ"الإفلات من العقاب" " الكيان الصهيوني" .. فألقت بكل ثقلها عبر أشكال الترغيب والترهيب والرشوة والضغط والابتزاز للحيلولة دون إنصاف الضحايا .. منتهكة بذلك كافة قيم ومبادئ العدل والإنصاف .. ضاقت الشعوب بالظلم والانحياز وتعدد المعايير واختلال الموازين.. وأمام هذا الانسداد تحركت الشعوب للخروج من عنق الزجاجة بإقامة "محاكم الضمير الشعبية" لملاحقة مجرمي الحروب ..
وقد كانت بداية هذا النوع من المحاكم في عام 1967 حين أعلن عن تأسيس "محكمة برتراند راسل لمحاكمة مجرمي الحرب في العالم" بدعم وتشجيع من الفيلسوف الفرنسي "برتراند راسل نفسه.. وقد هدفت هذه المبادرة إلى استنهاض الضمير العالمي، ولفت اهتمام الرأي العام العالمي بالجرائم ضد الإنسانية.. فانعقدت أولى هذه المحاكم لـ"محاكمة جنود في الجيش الأمريكي على جرائمهم في حرب فيتنام" .. وتبعتها سلسلة من المحاكمات حول العالم ( في أمريكا اللاتينية وألمانيا ).. وتبعتها محكمة الضمير الخاصة بالعراق.. على أن آخر تجليات هذه المحكمة كان في تلك المحاكمة التي انطلقت مطلع مارس الجاري / 2010 من "مدرسة إعداد المحامين" في برشلونة / أسبانيا بعنوان "المحكمة الشعبية لمحاكمة إسرائيل" بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية.. !!
لقد شارك في هذه المحكمة عدد من القانونيين الأوروبيين المرموقين والدبلوماسيين والمثقفين .. كما ضمت "هيئة القضاة" شخصيات قضائية مرموقة منهم قاضي المحكمة العليا في أسبانيا، "خوسيه انطونيو بالين"، والوزير الأسبق في جنوب أفريقيا " دونالد كسريلس".. . فضلا عن استقطابها لحوالي "مائة وعشرين " مثقفاً وناشطا من نشطاء حقوق الإنسان للإدلاء بشهاداتهم .. واستمعت على مدار ثلاثة أيام إلى تسعة عشر شاهداً منهم (كان من بينهم : المحامي ميخائيل سفاراد وعضو بلدية الاحتلال في القدس مئير مرغليت، والمحاضرة في الجامعة العبرية نوريت بليد)... فما صرحت به "البروفيسور بيلد" لإذاعة الجيش " الإسرائيلي" كان لافتاً ؛ إذ قالت (إن "إسرائيل" تنفذ جرائم حرب وتخرق حقوق الإنسان وترفض التوقيع على ميثاق جنيف لحقوق الإنسان وتسيطر على أراض محتلة.... وما يحصل هو "ابرتهايد"، يستدعي فرض عقوبات على "إسرائيل" كتلك التي فرضت على جنوب أفريقيا.. نحن أمام لائحة اتهام تفيد بارتكاب "إسرائيل" جرائم حرب، وعلى الهيئات القضائية الدولية أن تنظر في دعاوى ضد "إسرائيل" بصورة جدية.. )...!!

نخلص من ذلك إلى أن جملة هذا الحراك الشعبي الدولي النشط يؤشر إلى إحباط إنساني من ممارسات الهيمنة والتدخل الصهيو- أمريكي الذي يستهدف الحيلولة دون إنصاف الضحايا وإقامة سلطة الأخلاق .. كما يؤشر إلى ضيق العالم بنظام دولي متوحش يقوم على التمييز بين مجرم وآخر ( من أفراد ودول) وبين واقعة إجرامية وأخرى ..
إن هذا النظام الدولي بما يحمله من مواصفات خارجة على ما توافقت عليه الإنسانية بات اليوم هو مصدر التهديد الأساسي لاستقرار البشرية وأمن العالم .. وما هذا الزخم في الحراك الإنساني إلا لاستنهاض الضمير الإنساني وتحريك الوعي والمبادرة .. كما يؤكد أشواق البشرية لنظام دولي إنساني يحترم الحق في الحياة لكل البشر ..
ولكن تبقى الأسئلة تبحث عن إجابات:

• كيف يمكن أن تكون لهذه المحاكم سلطة التنفيذ؟؟
• ما هي الأطر التنظيمية والقانونية التي يمكنها متابعة قرارات وأحكام محاكم الضمير هذه ؟؟
* وإن لم تتوفر هذه الأطر .. كيف ننشئها ؟؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق