الأربعاء، 22 يونيو 2011

احتجوا كما تشاؤون.. ونحن نفعل ما نشاء


احتجوا كما تشاؤون.. ونحن نفعل ما نشاء

د. عيدة المطلق قناة

مرّت المسيرة الإصلاحية في الأردن بمحطاتٍ تحقق فيها بعض الإنجازات .. ولعل من أبرز ما تحقق من منجزات في هذا الصدد تواصل الحراك الاحتجاجي .. ونشوء العديد من الحركات الإصلاحية .. التي انخرط فيها مئات الالاف من الأردنيين من مختلف المشارب الفكرية والفئات العمرية والاجتماعية والمناطق الجغرافية..  وكلها تلتقي عند مطلب الإصلاح الحقيقي ومكافحة الفساد.. ناهيك عما تحقق من إجماع بين قوى الإصلاح على جملة من المطالب الإصلاحية وفي مقدمتها  الإصلاح الدستوري .. والتأكيج على ضرورة إعمال جملة من المبادئ الدستورية منها على سبيل المثال:
·        مبدأ "الأمة مصدر السلطات "
·        مبدأ الفصل بين السلطات،
·        مبدأ سيادة القانون
·        مجلس أمة منتخب (بشقيه النواب والأعيان)
·        حكومة منتخبة
·        قضاء مستقل
·        محكمة دستورية وإلغاء المحاكم الاستثنائية الخاصة) وفي مقدمتها محكمة أمن الدولة)

كما كان من بين ما تحقق من منجزات صدور مجموعة من الوثائق والمبادرات الفكرية الإصلاحية المميزة لعل منها : الميثاق الوطني ، والأردن أولاً ، والأجندة الوطنية ... وكل هذه الوثائق تصلح - بشكل أو بآخر- لتشكل رافعة لانطلاقة إصلاحية قوية وبناء الدولة المدنية الديمقراطية العادلة..

ولكن هذه المسيرة تعرضت للانتكاسات في أغلب مراحلها .. فكثيراً ما أعادت الأمور إلى نقطة الصفر .. فالوثائق الإصلاحية "الجميلة" آلت كلها إلى متحف التاريخ السياسي الأردني !!
وبقيت قاطرة الإصلاح تراوح بين مد وجزر  دون أن تتمكن أي من قاطراته من الوصول إلى محطاتها الصحيحة .. لم يتحقق التغيير المنشود في وضع الأردن والأردنيين في المكانة التي يستحقونها  .. وفي المستوى اللائق بهم بين الشعوب الحرة !!

استمر الأردنيون في حراكهم المطلبي والإصلاحي .. كما استمر التعاطي الحكومي مع هذه الحراك بذات الأدوات .. حيث اللامبالاة والتسويف والتطنيش .. بل إن الحكومات المتعاقبة - التي أوكل إليها مهمة الإصلاح -  أطلقت العنان لقوى متنفذة اختطفت شعارات التغيير ومضت في قيادة البلاد نحو  الأسوأ .. وتركت القبضة الأمنية تشتد وتمتد إلى كافة مفاصل الحياة .. كما توسعت في عمليات "التصنيع والتزوير" لتشمل – إلى جانب تصنيع المجالس التمثيلية"النيابية والبلدية" – تصنيع "المسيرات" التي أطلقت عليها زوراً وبهتاناً ( مسيرات الولاء والانتماء) ..!!

الأردن اليوم يقف على مفترق طرق  كما يقف في مواجهة تحديات وجودية .. لا قبل لأي حكومة بمواجهتها وقيادة البلاد للخروج من هذا النفق إلا بتغيير "معادلة الحكم والنظام .. ووضع الشعب في قلب هذه المعادلة.. لا تهميشه" !!

لقد اعترفت لجنة الحوار الوطني بهذه التحديات وقالت في وثيقتها بالحرف :
 " إنّ مواجهة هذه التحديات والأزمات، تتطلب إدارة حكومية أكثر فعالية، ومشاركة شعبية أكثر عمقاً، ومجتمعا أكثر حيوية، وجهودا تنموية أكثر إنجازاً وعدالة، وحضوراً إقليمياً ودولياً أكثر قوة وديناميكية. وذلك كله يرتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بالإطار السياسي للدولة، ما يجعل الإصلاح السياسي أولوية وطنية أساسية لمواجهة هذه التحديات." 

لقد مل الأردنيون سماع "غزليات الإصلاح" .. في وقت يشهدون تراجعاً متواصلاً في الميدان!!
·   يقولون لقد بدأنا بإحالة ملفات الفساد إلى هئية مكافحة الفساد .. وفي الميدان هناك اتساع لظواهر الفساد – كما ونوعاً – حتى بات يهدد الاستقرار الوطني بأبعاده الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى الأمنية!! 
·        يقولون نحن طلاب إصلاح .. وفي الحقيقة هناك اتساع في "فجوة الثقة" بين مؤسسات الدولة وقوى المجتمع..
·   فبدلاً من ملاحقة الفساد والفاسدين وإيقاف النزيف المتواصل في مقدرات البلاد .. والتصدي لخطة تفكيك الدولة وبيع ممتلكاتها للاجانب .. وبدلاً من معالجة التصدع الذي أصاب الراوبط الاجتماعية والوطنية للشعب الأردني .. راحت قوى السلطة تصب النار على الزيت وتطلق كل الفزاعات لتشويه قيم الإصلاح وتمارس "اغتيال الشخصية" بحق رموزه ..  
·   يقولون لقد تحسن منسوب الحريات .. وحين مقاربة حقيقة الأمر لا نجد لهذا التحسن ترجمة في الحياة العامة.. فقد فتحت استقالة "طاهر العدوان"  (وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال)  " اعتراضا على إدراج قوانين المطبوعات والنشر والعقوبات وهيئة مكافحة الفساد، - المقيدة للحريات الصحافية- على جدول الدورة الاستثنائية لمجلس النواب " العيون على حقيقة ادعاءات الإصلاح الحكومية ؟؟ ..كما كشفت زيف مزاعم ارتفاع "منسوب الحريات".. وأستثارت جملة من التساؤلات :
·        ألم يسبق الربيع الأردني بصيغته الحضارية السلمية الربيع العربي بعقدين من الزمان؟؟
·        إذا كان الإصلاح حاجة وطنية ملحة .. فلماذا تعطلت قاطرته ؟
·   وعن أي إصلاح يتحدثون في ظل تقنين، بل ربما – دسترة – تكميم الأفواه – وقطع الألسن ؟؟  وكأني بلسان حال الحكومات يقول "احتجوا كما تشاؤون وأنا أفعل ما أشاء" ؟؟
·   صحيح أن الإصلاح الحقيقي يحتاج إلى وقت ، ولكم كم هو الوقت الذي يحتاجه في بلد كالأردن – بكل ما لديه من طاقات إبداعية ؟؟
·   وإن كنا جادين في الإصلاح فلماذا ضاعت كل فرص الاصلاح ؟؟ أم أن إبقاء الأردنيين – قسراً وسوء ظن - خارج المعادلة الحضارية قدر لا مناص منه؟ 

الأردنيون يردون طحناً لا جعجعة !!
eidehqanah@yahoo.com



الخميس، 16 يونيو 2011

الحرية قادمة.. فلماذا كل هذا العنف؟


الحرية قادمة.. فلماذا كل هذا العنف؟  
د. عيدة المطلق قناة
منذ الخامس عشر من شهر آذار الماضي وحتى يومنا هذا ( وإلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً ( بالنصر المبين لثورة الحرية والكرامة) باتت يوميات المواطن السوري .. قمع وتنكيل جماعي لا يميز بين طفل وإمرأه وشاب وكهل ..   فالمجازر في كل مكان .. والمقابر الجماعية تنتشر فوق الجغرافيا السورية – التي كانت وادعة ذات يوم-  .. حتى ليبدو للمراقب بأن عشرات القرى والبلدات والمدن ( بكل أحيائها وزنقاتها ) قد وضعت على جدول القمع الهمجي المكثف.. وأن المسألة بالنسبة للنظام هي مسألة وقت ليس إلا !!
لقد مورس على السوريين خلال الشهور الماضية قتل واعتقال واختفاء للآلاف .. بل مورست كافة أفانين القمع والتنكيل والتعذيب المعروفة وغير المعروفة .. ومعظم هذه الممارسات – غيرالمسبوقة - أفضت إلى موت .. فتمثيل بالجثث لم ترحم حتى الأطفال .. تم تصوير بعضها بكل ما شهدناه من فجور ورقص فوق الأجساد .. وغيرها من سلوكيات استحضرت الغرائز البهيمية وكشفت عن كم فاحش من الكراهية وسوء الخلق.. !!
سوريون عزل ..ومدنيون أبرياء .. ومتظاهرون سلميون.. تحولوا بقدرة قادر في تقارير الماكينة الإعلامية للنظام  .. وفي مزاعم وتهديدات المسؤولين .. والناطقين باسمهم من كتاب التدخل السريع وأدعياء الثقافة والتحليل السياسي.. إلى عصابات مسلحة مندسة تنفذ مؤامرة خارجية تطلق النار على رجال أمن رسميين .. فاستغاث الشعب بالجيش.. فتدخل الجيش دفاعا عن الشعب والوطن .. وتحولت بذلك موجة الاقتحامات العسكرية بعددها وعديدها للقرى الوادعة إلى مطالب جماهيرية ملحة ، تبرر الحصار وقطع الكهرباء والاتصالات .. ومنع الغذاء عن الناس ..ومنع الحليب والدواء عن الأطفال والمرضى ، بل وتبرر ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في هذه القرى والمدن بتدميرها  واعتقال وتعذيب أطفالها ونسائها وشبابها  وشيوخها وزراعة عدد من المقابر الجماعية في بساتينها وحقولها .. بل ويبرر قصف المدن والأحياء السكنية بالدبابات أو من خلال العملاء السريين والقناصة والشبيحة .. كما تحول عشرات الآلاف من النازحون المرعوبين من نساء وأطفال إلى "آباء وأمهات وعائلات" تؤوي عصابات المندسين والإرهابيين .. ففروا هرباً من القصاص العادل !!..
ويبدو أن أهل الحكم في الأنظمة العربية موحدون - على عكس ما نظن -  ويبدو لنا أن هناك توافقاً تاماً في المنهجية وحتى الأدوات والوسائل.. فكلهم يراهنون على آلة القمع الأمنية وعلى الأسلحة الفتاكة وعلى المرتزقة.. وكلهم يراهنون على القناصة والبلطجية والشبيحة .. وكلهم لديهم ثقة مفرطة بأنهم يمتلكون من أساليب الخداع والتحايل والخطاب التضليلي والشعارات التي خبروها في الماضي والتي وفرت لهم حالة موات شعبي.. وكلهم أطلقوا على شعوبهم أبشع الصفات ففي سوريا هم عصابات مسلحة مندسة من الخارج .. وفي اليمن هم "قطاع طرق وأفاعي" .. وهم لدى "عقيد ليبيا" جرذان ومهلوسون .. وكلهم منعوا وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية والإنسانية من الدخول والاطلاع المباشر على المشهد.. في إجراء "يكاد المريب فيه أن يقول خذونيّ!!!
إن ما يحدث للشعب السوري باسم الأمن القومي ومقاومة الإرهاب، وتحت شعار الممانعة والصمود، - هو ما حدث ويحدث للشعب التونسي والمصري والليبي واليمني – مما يعد جريمة مروعة يندى لها جبين الإنسانية!!
ولكن الغريب في الحالة السورية أن كل ما يجري على هذه الساحة من فظائع - لم يتمكن النظام في إخفائها كما فعل في سابقاتها في القرن الماضي – لم يكن كافياً لكسر جدار الصمت الرسمي العربي.. الأمر الذي يثير الكثير من الشكوك .. ويدعو للتساؤل عن سر هذا الصمت المريب؟
·   فهل النظام الرسمي العربي يريدنا أن نصدق حكاية المؤامرات الخارجية التي تنفذها "عصابات مسلحة إرهابية " بمسمياتها المختلفة ..وتبرير صمته على الدماء المسفوحة والأجساد المنتهكة في كل ساحات الغضب العربي ؟
·   أم أن النظام الرسمي العربي يريد أن يغير الدور الطبيعي للجيوش التي أنفق عليها المليارات من عزيز أموال الأمة بحجة تحصين الوطن والدفاع عن الشعب والحدود.. لتصبح جيوشاً مكرسة لحماية النظام.. مما يسوع لها ممارسة القمع والقتل الوحشي واقتحام المدن والبيوت وحصارها ودكها بالدبابات والطائرات وكل أنواع الأسلحة وتحويلها إلى خرائب ؟  
·   ثم هل يمكن أن تعود هذه الجيوش إلى ثكناتها بعد أن استمرأت الاستئساد على المدنيين وتحقيق الانتصارات عليهم ؟؟
·   أو لا تخاطر هذه الأنظمة باستجرار التدخل الاستعماري الخارجي .. أم أن هذه الأنظمة المستبدة جعلت التدخل الأجنبي وإعادة الاستعمار هدفاً استراتيجياً لها؟؟ 
·    ألم تدرك هذه الأنظمة بعد حقيقة أن الشعوب العربية - وفي مقدمتها الشعب السوري - قد عرفت طريقها إلى الحرية والكرامة والعزة والعدل والمنعة، وأيقنت بضرورة التمرد على الطغيان والاستبداد وحكم الفرد واحتكار السلطة، والقبضة الأمنية، وأن لا عودة إلى الوراء.. ؟؟
لقد  وصل ثوار الأمة في كل الساحات إلى نقطة اللاعودة .. وبعد أن مزقت بنادق الأنظمة آلاف الأجساد .. تمزقت معها أسطورة الخوف الذي شكل متلازمة لهذه الأنظمة طيلة عقودها العجاف من ذلك الزمان العربي المظلم ..
إن الثورات العربية – كلها دونما استثناء – هي ثورات "شعبية ..وطنية.. شريفة " .. ولن تنجح أدوات الأنظمة وماكيناتها القمعية والإعلامية القائمة على التزوير والكذب في تشويهها .. وستستمر حتى تحقيق أهدافها وفي مقدمتها الانتقال إلى نظام ديمقراطي حقيقي..  ينعم فيه الإنسان بالمواطنة .. والحرية والكرامة .. !!
إن شعوب الأمة – كل شعوبها – جديرة بالحرية والكرامة.. وجديرة بموقع لائق بين الأمم الحرة .. موقع تستأنف منه ممارسة دورها الطبيعي في بناء حضارة البشرية .. !!
eidehqanah@yahoo.com

الاثنين، 13 يونيو 2011

محاكم الضمير الشعبية

محاكم الضمير الشعبية
 د. عيدة المطلق قناة


كثيراً ما تنادي الشعوب والمنظمات الأهلية والنشطاء في حركات التحرر العالمية وحركات حقوق الإنسان ومناهضة العولمة والعدوان والاحتلال بضرورة تفعيل منظومة القانون الدولي وخاصة " ميثاق حظر الإبادة الجماعية لعام 1948م" و "اتفاقيات جنيف الأربعة لتنظيم "العلاقات الدولية في حالة الحرب .. وغيرها .. في ملاحقة وجلب مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية .. والإبادة الجماعية، ومنتهكي حقوق الإنسان للعدالة الدولية .

لقد واكب قيام "الأمم المتحدة" وما اعتمدته من نظام "قانوني" متكامل لإدارة شؤون العالم صعود مذهل لحركات حقوق الإنسان.. فتنامى الوعي العالمي بأهمية العدالة الدولية والحد من جرائم الحروب وملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية!!

إلا أنه بسبب اختلال موازين القوى عشية قيام " الأمم المتحدة " فقد اقتصرت الملاحقة الدولية (خلال الفترة الممتدة من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى نهاية الحرب الباردة) على ملاحقة "مجرمي الحرب من ألمانيا واليابان" .. وفي أعقاب قيام "الكيان الصهيوني " في عام (1948) تم توظيف هذه الحركة العالمية الداعية لملاحقة مجرمي الحروب لمصلحة دعم المشروع الصهيوني بفلسطين عالمياً .. فتحولت الملاحقة لـ "مجرمين نازيين" بتهمة مشاركتهم في جرائم "نازية ضد اليهود" .. في حين ساد الصمت إزاء ملاحقة المجرمين في مئات الحروب والنزاعات الأخرى، رغم ما حفلت به من جرائم وما سقط فيها من ضحايا، بدءاً من فلسطين، مروراً بفيتنام، فالصومال وأفغانستان، فالعراق !!

ولكن أمام تفاقم "الجريمة الدولية" وسيادة "شريعة الغاب" في غير مكان من هذا الكوكب - وخاصة في أعقاب انتهاء الحرب الباردة – أخذ التصدي لمسألة انتهاكات حقوق الإنسان يأخذ مساراً أكثر جدية .. ففي عام 1990 صدرعن الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار القاضي بتشكيل "محكمة الجزاء الدولية"، وهو ما أدى إلى " اتفاقية روما" بإنشاء "المحكمة الجنائية الدولية" ..وبعدها تم التحرك بإنشاء محاكم إقليمية كان منها محكمتي جرائم " رواندا والبلقان" !!

إلا أن هذا الجهد – وإن نجح في امتصاص بعض النقمة العارمة الناشئة عن الحروب والعدوان والاحتلالات وما انطوت عليه من فظائع في مجال حقوق الإنسان – فقد واجه جملة من العوائق التي حالت دون تحقيق أهدافه .. فاصطدمت "العدالة الدولية" المنشودة بكثير من العوائق السياسية التي جعلت للحق معايير متعددة .. واستمرت في قياس العدالة بموازين مختلة .. مما جعل من الملاحقات والمحاكمات الدولية – في حال قيامها - شكلية وانتقائية !!

ولما ضاقت الشعوب ذرعاً بالهيمنة الأمريكية حين نصبت نفسها فوق القانون .. وفرضت لنفسها حصانة ضد الملاحقة وشملت بـ"الإفلات من العقاب" " الكيان الصهيوني" .. فألقت بكل ثقلها عبر أشكال الترغيب والترهيب والرشوة والضغط والابتزاز للحيلولة دون إنصاف الضحايا .. منتهكة بذلك كافة قيم ومبادئ العدل والإنصاف .. ضاقت الشعوب بالظلم والانحياز وتعدد المعايير واختلال الموازين.. وأمام هذا الانسداد تحركت الشعوب للخروج من عنق الزجاجة بإقامة "محاكم الضمير الشعبية" لملاحقة مجرمي الحروب ..
وقد كانت بداية هذا النوع من المحاكم في عام 1967 حين أعلن عن تأسيس "محكمة برتراند راسل لمحاكمة مجرمي الحرب في العالم" بدعم وتشجيع من الفيلسوف الفرنسي "برتراند راسل نفسه.. وقد هدفت هذه المبادرة إلى استنهاض الضمير العالمي، ولفت اهتمام الرأي العام العالمي بالجرائم ضد الإنسانية.. فانعقدت أولى هذه المحاكم لـ"محاكمة جنود في الجيش الأمريكي على جرائمهم في حرب فيتنام" .. وتبعتها سلسلة من المحاكمات حول العالم ( في أمريكا اللاتينية وألمانيا ).. وتبعتها محكمة الضمير الخاصة بالعراق.. على أن آخر تجليات هذه المحكمة كان في تلك المحاكمة التي انطلقت مطلع مارس الجاري / 2010 من "مدرسة إعداد المحامين" في برشلونة / أسبانيا بعنوان "المحكمة الشعبية لمحاكمة إسرائيل" بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية.. !!
لقد شارك في هذه المحكمة عدد من القانونيين الأوروبيين المرموقين والدبلوماسيين والمثقفين .. كما ضمت "هيئة القضاة" شخصيات قضائية مرموقة منهم قاضي المحكمة العليا في أسبانيا، "خوسيه انطونيو بالين"، والوزير الأسبق في جنوب أفريقيا " دونالد كسريلس".. . فضلا عن استقطابها لحوالي "مائة وعشرين " مثقفاً وناشطا من نشطاء حقوق الإنسان للإدلاء بشهاداتهم .. واستمعت على مدار ثلاثة أيام إلى تسعة عشر شاهداً منهم (كان من بينهم : المحامي ميخائيل سفاراد وعضو بلدية الاحتلال في القدس مئير مرغليت، والمحاضرة في الجامعة العبرية نوريت بليد)... فما صرحت به "البروفيسور بيلد" لإذاعة الجيش " الإسرائيلي" كان لافتاً ؛ إذ قالت (إن "إسرائيل" تنفذ جرائم حرب وتخرق حقوق الإنسان وترفض التوقيع على ميثاق جنيف لحقوق الإنسان وتسيطر على أراض محتلة.... وما يحصل هو "ابرتهايد"، يستدعي فرض عقوبات على "إسرائيل" كتلك التي فرضت على جنوب أفريقيا.. نحن أمام لائحة اتهام تفيد بارتكاب "إسرائيل" جرائم حرب، وعلى الهيئات القضائية الدولية أن تنظر في دعاوى ضد "إسرائيل" بصورة جدية.. )...!!

نخلص من ذلك إلى أن جملة هذا الحراك الشعبي الدولي النشط يؤشر إلى إحباط إنساني من ممارسات الهيمنة والتدخل الصهيو- أمريكي الذي يستهدف الحيلولة دون إنصاف الضحايا وإقامة سلطة الأخلاق .. كما يؤشر إلى ضيق العالم بنظام دولي متوحش يقوم على التمييز بين مجرم وآخر ( من أفراد ودول) وبين واقعة إجرامية وأخرى ..
إن هذا النظام الدولي بما يحمله من مواصفات خارجة على ما توافقت عليه الإنسانية بات اليوم هو مصدر التهديد الأساسي لاستقرار البشرية وأمن العالم .. وما هذا الزخم في الحراك الإنساني إلا لاستنهاض الضمير الإنساني وتحريك الوعي والمبادرة .. كما يؤكد أشواق البشرية لنظام دولي إنساني يحترم الحق في الحياة لكل البشر ..
ولكن تبقى الأسئلة تبحث عن إجابات:

• كيف يمكن أن تكون لهذه المحاكم سلطة التنفيذ؟؟
• ما هي الأطر التنظيمية والقانونية التي يمكنها متابعة قرارات وأحكام محاكم الضمير هذه ؟؟
* وإن لم تتوفر هذه الأطر .. كيف ننشئها ؟؟

الأربعاء، 8 يونيو 2011

العرب.. وموجة جديدة من الابتزاز والاحتواء

العرب.. وموجة جديدة من الابتزاز والاحتواء
د. عيدة المطلق قناة

زيارة نتنياهو للولايات المتحدة وخطاباته أمام " الإيباك والكونغرس" جاءت من حيث التوقيت مع بداية الاستعدادات لانطلاق الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية .. مما يفسر الجرعة العالية المكثفة من الابتزاز والعنجهية الصهيونية التي انطوت عليها هذه الخطابات ..وما استجرته من مواقف نفاقية من أمثلتها  :
1. الحصول على دعم عسكري كبير من الكونغرس إذ حصلت إسرائيل خلال عام واحد على أكبر تمويل عسكري  في تاريخ برامج الدفاع الصاروخية الأميركية - الإسرائيلية لحماية المستوطنات من صواريخ "حزب الله" و " حماس". ففي آذار عام 2010 أقرت ادارة اوباما حوالى 205 ملايين دولار لتمويل بطاريات نظام "القبة الحديدية"..  وفي أيار عام 2010 أقر مجلس النواب الأمريكي "قانون التعاون الأميركي الإسرائيلي لدعم الدفاع الصاروخي"  الذي فوض إدارة أوباما "توفير مساعدة لحكومة إسرائيل في صيانة وشراء واستدامة نظام القبة الحديدية الدفاعي لاعتراض الصواريخ المتوسطة المدى والصواريخ وقذائف الهاون التي تطلق ضد إسرائيل" .. وفي آب من عام 2010 أقرت الإدارة الاميركية مبلغ 2,75 ملـــيار دولار لــشراء 20 طــائرة حربية "أف ـ 35"، وسيبدأ بتسليمها عام 2015. .. كما ارتفعت المساعدات العسكرية من 2.77 مليار عام 2010 الى 3 مليارات في عام 2011.
2.  المزيد من الانخراط الأمريكي في الرواية الصهيونية وصل حد التماهي بل والانبطاح..  فالرئيس أوباما ينقلب على نفسه ويتحول عن موقفه ويعيد صياغة خطابه من جديد بسرعة البرق ... ويتخلى رئيس الأكثرية في مجلس الشيوخ، السيناتور الديموقراطي هاري ريد،  عن الموقف الذي أطلقه أوباما من حدود العام 1967 كنقطة انطلاق للمفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين .. وأما النائب  الجمهوري "اريك كانتور" فيزعم أمام الإيباك بأن جذور النزاع هي "حقد العربي تجاه اسرائيل واليهود، وليس حدود 1967" ..
3. الموقف من الانتهاكات الصهيونية لحقوق الإنسان الفلسطيني .. فالموقف يتسم بالصمت حيناً .. أو التبني الكامل لتلك الانتهاكات أحياناً .. ولعل آخرها كان الموقف من القتل الصهيوني لعشرات المتظاهرين العرب السلميين الذين خرجوا إحياء لذكرى النكبة الـ63 .. فقد مرت تلك الجريمة دون أن تثير لدى الغرب انتقادا واحدا... في حين أن أي مشادة حتى لو كانت بين طفل فلسطيني وجندي صهيوني فإن المدان - حتماً - هو الطفل الإرهابي المسلح ببعض المفردات .. أو ربما بقبضة يلوح بها من بعيد لجندي يصوب له رشاش دبابته !!
4. الموقف من فتح معبر رفح : لقد جاء رد الفعل الصهيوني على قرار مصر بفتح معبر رفح عنيفاً .. احتج نتنياهو لدى الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" وأبلغه رفض إسرائيل المطلق لفتح المعبر وهدد بـ"إعادة احتلال سيناء" ؛  إذا لم تتوصل الحكومة الأمريكية إلى حل يعيد الأمور إلى نصابها... فما كان من الولايات المتحدة إلا أن أبلغت مصر بهذه الإملاءات..  ويتصل  أوباما بالعديد من الدول العظمى للضغط على مصر لإيجاد مخرج يحافظ على "أمن إسرائيل، ويؤكد الاستمرار في إغلاق معبر رفح.. مهما كان الثمن الإنساني قاسياً طالماً أن المطالب بدفع هذا الثمن هو الشعب الفلسطيني !!
5.  الديمقراطية الإسرائيلية وحقوق العرب الفلسطينيين في مناطق الـ "48": لا تمل إسرائيل من الترويج لواحتها الديمقراطية اليتمية في غابة الاستبداد العربي .. في حين أن سياسات حكوماتها تقوم على التمييز والعنصرية .. فهناك تاريخ طويل من المس بحقوق العرب عبر الحكم العسكري .. ومصادرة الأراضي.. وقتل المواطنين في يوم الأرض وانتفاضة الأقصى، وهدم المنازل، وعدم الاعتراف بالقرى العربية بالنقب، وسلب الأراضي، وحرمان لاجئيي الداخل من العودة إلى قراهم. ناهيك عن اتساع الفجوات بين العرب واليهود في مجالات الصحة، والعمل، والمسكن والرفاه وتردي مستوى التعليم ..
وأما حكومة نتنياهو فقد دأبت منذ توليها على "سحب مواطنة العرب، وربط الولاء بالمواطنة، وتهجير العرب، ودعمت العديد من مشاريع القوانين العنصرية وغير الديمقراطية  والماسة بحقوق العرب الأساسية (وهي العمل والعيش الكريم) ومن أمثلتها : قانون لجان القبول الذي يهدف إلى منع العرب من السكن في التجمعات السكنية الصغيرة، والقانون الذي يمنع إحياء النكبة وقانون المواطنة.. و مشروع قانون يمنح الأفضلية لمن خدم في الجيش للعمل في الوزارات الحكومية، إلى جانب العديد من مشاريع القوانين التي تسعى للمزيد من إيذاء العرب والتي أعدّت لعرضها على الكنيست..
6. الموقف الصهيوني من اتفاقيات التسوية : لقد أكدت الأحداث بأن هذه الاتفاقيات لم تكن سوى مدخلاً لإجبار الفلسطينيين و العرب على القبول بالرواية الصهيونية للتاريخ والجغرافيا والثقافة،  والاعتراف بالحقائق الجديدة التي تفتعلها إسرائيل على الأرض  .. كل ذلك لإقناع العالم بأن "إسرائيل" هي التي تتحكم بالسياسة الدولية .. وهي التي تحدد الشرعية والحقوق المشروعة .. وهي التي تصنع التاريخ في هذه المنطقة وفي العالم  ..

ولكن رغم هذه الوقائع وغيرها .. فإن الحراك الثوري في  زمان "الربيع العربي" يبدو بأنه  بدأ يغير المعادلات المختلطة .. ويعطل جانباً من المخططات الصهيو- أمريكية .. وتسبب في ما نشهده من ارتباك في المواقف الدولية التي ما عرفناها إلا منحازة.. مما أدى إلى استجرار المزيد من مخزون الابتزاز الصهيوني للولايات المتحدة ..

إن العالم اليوم في مواجهة موجة عاتية من الضغوط الصهيونية الهادفة إلى جر الغرب بعامة والولايات المتحدة إلى المزيد من الانخراط العسكري في المنطقة .. لاحتواء أو إحباط  مفاعيل الثورات العربية .. والإبقاء على حالة الضعف والتفكك العربي .. وإعادة الأمة إلى مرحلة ما قبل الثورة من حيث الخضوع والاستسلام والخوف .. لتكون يد "إسرائيل " هي العليا .. وكلمتها هي النافذة في كل شؤون المنطقة .. ولاجهاض مفاعيل هذه الضغوط والابتزازات لا بد من ضغوط شعبية عربية مضادة وقوية دعماً للسياسات العربية الجديدة - وخاصة المصرية منها – لتثبيتها وتطويرها .. ففيها المخرج الآمن لأزمة الأمة من هذا النفق الطويل ..

eidehqanah@yahoo.com