الاثنين، 30 يناير 2012

"إسرائيل" والعرب .. وإشكاليات المواقف


د. عيدة المطلق قناة

في عز الربيع العربي و انشغالات الشارع العربي بهموم التغيير والإصلاح الوطني وبروز إرادة الشعوب على التحرر ..ظن الكثيرون بأن قضية فلسطين لم تعد قضية عربية ولم تعد تعني الكثيرين من المنتفضين والثائرين في الساحات والشوارع العربية .. إلا أن الممارسات الإسرائيلية تكشف عن عبث واستهتار شديدين وانتهاك صارخ للأعراف والنظم والشرعيات ... خاصة وأن هذه السلوكيات قد شهدت تصاعداً نوعياً خلال "شهر يناير /2012" وهو الشهر الذي شهد ما يسمى بـ(هجوم المفاوضات الأردني) .. فخلال هذا الشهر نفذت سلطات الاحتلال:
·       سلسلة من الغارات الجوية على قطاع غزة وقتلت العديد من الأشخاص ..
·   اعتقالات واختطافات شملت رموز قيادية للشعب الفلسطيني كان منها: اختطاف الدكتور عزيز دويك والحكم عليه بالتوقيف الإداري لمدة ستة أشهر بتهمة  "التورط مع مجموعات إرهابية"... واعتقال النائبين حسن يوسف ، وخالد طافش ..فضلا عن اعتقال العديد من الشباب في الضفة الغربية ومنطقة الجليل .. ولعل أشدها استهانة بالقوانين الدولية ما تم من مداهمة لمبنى الصليب الأحمر بمدينة القدس واختطاف النائبين محمد طوطح وخالد أبو عرفة ..
·   مصادرة (76 دونماً - من أكثر الأراضي الزراعية خصوبة ) من أراضي قرية الخاص شرق بيت لحم بحجة أنها "أملاك غائبين".. وضمتها إلى حدود البلدية "الإسرائيلية" للقدس،  

إن قراءة معمقة لهذا المشهد السياسي وما يطرح من أفكار وتصورات تجاه القضايا الأساسية التي تشكل العمود الفقري للقضية الفلسطينية يضعنا أمام مواقف متناقضة وإشكالية من أمثلتها :

أولاً : إشكالية الاستيطان والتفاوض : فبينما يلح الجانب الفلسطيني على خطورة الاستيطان .. ويرددون ضرورة ربط المفاوضات بمرجعية "تستند إلى حدود عام 1967، وإلى وقف شامل للاستيطان، والقبول بالشرعية الدولية" .. إلا أن الجانب الفلسطيني سرعان ما هرول للمشاركة في لقاءات "عمان" ؛ رغم أن إسرائيل ماضية في تكثيف الاستيطان مما دفع "الحكومة البريطانية" و على لسان نائب رئيس الوزراء ( نك  كليغ- 16 /1/ 2012 ) إلى إدانة الاستيطان ووصفه بأنه "تخريب متعمد" للجهود الهادفة إلى إقامة الدولة الفلسطينية  .. أما قضايا الحدود فقد أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو" أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست على أن إسرائيل قدمت للفلسطينيين خلال محادثات عمان وثيقة مؤلفة من 21 بندا أحدها ينص على "بقاء وجود إسرائيل في منطقة غور الأردن في أي اتفاق مستقبلي بين الجانبين" ( وهو ما يرفضه الفلسطينيون بشكل مطلق(.. كما شدد نتنياهو على  أن "الأمن أهم من السلام" وحمل الفلسطينيين مسؤولية فشل المفاوضات ..

ثانيا:  إشكالية الأرض والسلام:
بتاريخ 20/1/2012م نشرت "صحيفة الشروق المصرية"تقريراً  عن كتاب ألفه  الخبير القانوني "زياد كلوت" عضو "فريق الخبراء التفاوضي الفلسطيني" يلخص خبرة أربع سنوات من العمل كمستشار لفريق التفاوض.. إذ يقول بأن [عملية السلام هي في نهاية الأمر "مسرحية هزلية".. وها أنا أصبح على مضض أحد الممثلين المشاركين في هذه المأساة .. كسب الإسرائيليون معركة الأرض..  لكن الفلسطينيين لا يزالون متشبثين بهذه الأرض التي تسرق من تحت أقدامهم" ] .. ولكن رغم كل هذه الاستعصاءات فإنه لا يبدو أن أحداً في السلطة الفلسطينية مستعد لاتخاذ قرار حاسم على صعيد العلاقة مع إسرائيل !!

ثالثاً : إشكالية مفهوم الإرهاب :
فبحجة ملاحقة الإرهابيين تكثف "إسرائيل" القصف والاعتداءات على قطاع غزة كما تكثف حملات المداهمة والاعتقالات ضد الفلسطينيين في  الضفة الغربية .. في حين أن "الحكومة الإسرائيلية" تظل "الراعي الحصري"  لجميع العمليات الإرهابية التي يشنها المستوطنون اليهود ضد المواطنين الفلسطينيين والتي تشمل الاعتداءات الجسدية واقتحام البلدات والقرى وتحطيم الممتلكات واقتلاع الأشجار وتسميم الآبار.. وحرق المساجد وخاصة في مناطق 1948.. فالحكومة الإسرائيلية – كائنا من كان على رأسها - لم ولن تتخذ أي إجراء رادع ضد الإرهابيين من المستوطنين والعسكريين .. بل على العكس فإن "نتنياهو" نجح في إرغام السلطة على مواصلة التنسيق الأمني وتعقب المقاومين الفلسطينيين في الضفة الغربية.. فضلا عن أنه لا يتورع عن توبيخ كل من يجرؤ على وصف هؤلاء المستوطنين بـ"الإرهاب".

رابعاً : إشكالية النفاق الأمريكي :
ويبرز في هذه الإشكالية الموقف الأمريكي من قضية الاستيطان فبينما قامت "واشنطن" بإسقاط قرار في الأمم المتحدة يدعو لوقف الاستيطان... فإنها تبيع "الوهم" للفلسطينيين بالزعم بأنها ضد الاستيطان.. وبالمقابل ففي الوقت الذي يتم فيه التضييق على قطاع غزة والتضييق على الناشطين الدوليين لفك حصارها فإن  رئيس الأركان الأمريكي الجنرال "مارتن ديمبسي" يتعهد بالعمل ضد عمليات التهريب لغزة عبر سيناء وبدعم الجهود الإسرائيلية في هذا المجال ومن المفارقة أن يصدر هذا التعهد (في 22/1/2012- أي بعد أيام معدودات على اختطاف رئيس المجلس التشريعي وزملائه من النواب) 

خامساً : إشكالية الموقف الصهيوني من الدولة الأردنية :
ففي حين  تنشغل "الحكومة الأردنية" بلعب دور "العراب" لاستعادة الزخم لعملية المفاوضات العبثية بين الفلسطينيين والإسرائيليين ..  تتواصل الممارسات الاستفزازية الإسرائيلية ضد الدولة الأردنية .. ولعل آخر أشكالها ما جاء في الرسالة التي وجهها رئيس الكنيست الصهيوني لرئيس مجلس الأعيان الأردني .. إذ بدأها بعبارة استفزازية  نصها "من مدينة القدس المباركة، عاصمة إسرائيل". كما تتضمن هذه الرسالة " جملة من المواقف الإسرائيلية العنصرية التي تروج لمفاهيم وقناعات إسرائيلية، باعتبارها حقائق يتوجب على الآخرين الإيمان بها" (بحسب طاهر المصري/ رئيس مجلس الأعيان).

ما تقدم يكفي للاستدلال على درجة الاستهتار بالمعايير والأخلاقيات الدولية والشرعيات التي يتدثر بها الساسة العرب .. فالقارئ للمشهد يمكنه إدراك الفوارق البينة في سلوك الأطراف المختلفة ؛ وشتان ما بين مواقف وممارسات تنطلق من مبادئ واستراتيجيات كبرى، وما يقابلها من مواقف تنطلق من مصالح ضيقة وأهواء وأمزجة شخصية .
"إسرائيل " ماضية في تحقيق أهدافها وإنجاز مشروعها الاستراتيجي، بكل الوسائل  .. ولا بأس في سبيل ذلك من مشاغلة العرب وتوريطهم بالمزيد من التنازلات والتفريط..  أما الطرف العربي فخسائره تتوالى بل هو الطرف الخاسر الوحيد في هذه الميلودراما !!

·       فهل المفاوضات باتت غاية لا وسيلة ؟
·    ألا ينبغي أن تكف كل حكوماتنا عن عبثها بمستقبل القضية الفلسطينية بمسلسل تفاوضي بائس ؟ 
·        أما آن الأوان للتوقف عن توفير الغطاء لجرائم الاحتلال ؟؟
إن أقل رد على اختطاف النواب يجب أن يبدأ من "تحريم" الحديث عن لقاءات مع هذا الكيان .. واستكمال المصالحة .. وتفعيل المجلس التشريعي .. ومن ثم تركيز الجهود على الملاحقة القانونية والقضائية لقادة الاحتلال ومحاسبتهم على جرائمهم وما أكثرها!!

eidehqanah@yahoo.com

الأربعاء، 18 يناير 2012

سنة أولى حراك .. مفرداتها ومنطلقاتها



د. عيدة المطلق قناة

عام مضى شهد الأردن خلاله وما يزال  "انتفاضة سياسية شعبية" تطالب بالإصلاح .. انتفاضة ضد الاستبداد والانفراد والاستئثار ، وضد الفساد .. خاصة وأن مؤسسة الفساد قد تغولت عبر إسناد أمني وحملات ضارية تستهدف تكميم الأفواه وكسر الأقلام وقطع الألسن..  حملات وضعت قوى الإصلاح- وفي مقدمتها الحركة الإسلامية – في بؤرة الاستهداف تحريضاً وتجييشاً وتشويها واغتيالاً للشخصية وتشكيكاً بالنوايا والمواقف..  

واليوم يجد الأردنيون أنفسهم في مواجهة مع أزمات مركبة تتعدد ملفاتها .. وفي جوف كل ملف منها يكمن العديد من الأورام وصواعق التفجير.. حتى بات الوضع سوريالياً يستعصي على التفكيك والفهم السوي .. وضع تتعدد مفرداته وتجلياته لعل منها:
1. مجلس أمة - بشقيه - تحول من حصن للشعب وعين على الحكومة .. إلى خصم للشعب .. مجلس يهرب النصاب بأوامر حين تكون ملفات الخصخصة والفساد على جدول أعماله .. جدول يغادر دوره ليتفرغ للتوعد والتهديد بتكسير الرؤوس بـ"القنوة" تارة .. وبيد من حديد تارة أخرى..!!
2.  حكومات عاجزة عن قيادة البلاد ؛ تراهن على الوقت والتعب والملل.. لا إصلاح في الأفق،  بل استغراق بالانشغالات اليومية وبالوعود التي سرعان ما تتهرب منها الحكومات عند أول مفترق ..
3. ذهنية أمنية تصر على إبقاء قبضتها الحديدية على الحياة السياسية ..  فتحول دورها من حماية الشعب ومقدرات الوطن وحماية الانتخابات وإرادة الشعب الحرة المستقلة ..إلى ضرب الشعب وقمعه وإجهاض حراكه والاستهتار بغضبه بلغ حد التباهي بالاعتراف العلني بالتزوير..
4. ممارسات رسمية متناقضة يشوبها المراوغة والتلاعب بسنن التغيير..  ومحاولات التفاف على مطالب الإصلاح  وإيقاف عجلته ووأد الحراك الشعبي !!
5.  قوى الشد العكسي :  تعمل هذه القوى ضد رموز الوطن وقياداته وقواه الإصلاحية.. مهمتها وضع العصي في دواليب الإصلاح .. وتأزيم الوضع كلما تحركت ملفات الفساد، حتى قال فيها "الملك" بأنها "تقف في وجه الإصلاح"  ..
6. لجان التحقيق المتكاثرة : فأعمال العنف وتخريب ممتلكات المواطنيين والاعتداءات المتكررة عليهم، وارتفاع وتيرة التوتر دفعت بالحكومة إلى تشكيل العديد من لجان التحقيق ولكن هذه اللجان لم تسفر عن شيء حتى تاريخه .. مما يتسبب في ارتفاع منسوب التوتر المجتمعي .. حتى... " طفح الكيل"!!
7. المشككون والمتربصون والمصابون بالعمى السياسي:  دأبوا على نفث سموم الفتنة والتأجيج والتهويل .. فانحصرت مقارباتهم لقضايا الوطن الكبرى بالتخويف من فزاعات الإسلاميين والجغرافيا والديمغرافيا..  خطابهم  متناقضاً .. محملاً برسائل التضليل والاستخفاف بوعي الناس وعقولهم..

كلها مفردات لنهج سياسي أمني يستهدف إعادة إنتاج الخوف  .. بإطلاق فزاعات الإيديولوجيا والمنابت والأصول والوطن البديل.. وافتعال الصراعات .. والعبث بالنسيج الاجتماعي.. والاستقواء بحلف غير مقدس بين أصحاب النفوذ والمال لضرب الحراك الإصلاحي .. وترسم المشهد السياسي المجتمعي القائم على التأليب المنهجي لمكونات من المجتمع ضد مكونات أخرى ، وعلى التهميش والاستقواء بالبلطجة (التي أخذت تزداد شراسة مع ارتفاع وتيرة الحراك والمطالب) ..

مفردات أنتجت حالة استقطاب مركبة .. نشأ على ضفافها حملة أمنية منظمة.. وتجييش غير مسبوق .. وسعي لا هوادة فيه لتشويه صورة الحراك الإصلاحي بعامة والحركة الإسلامية بخاصة ..

مفردات المرحلة ومخرجاتها وحالة الاستقطاب كلها وضعت قوى الإصلاح أمام تحديات واستحقاقات أولها تحدي التوحد على الأهداف الكبرى دونما الاستغراق بالتفاصيل .. كما وضعتها أمام استحقاقات أهمها ضرورة المراجعة وإعادة النظر في الوسائل والأدوات انطلاقاً ..وأمام الانطلاق للمرحلة التالية بالتخطيط ومراعاة جملة من القواعد الأساسية لعل منها :
1. حق الشعب الأردني - كما الشعوب العربية-  بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة..  وهذا يقتضي مسار ديمقراطي ممنهج يوحد الجميع تحت مظلة وطنية جامعة ومتماسكة..
2. الإصلاح مسيرة دائمة طالما أن هدف الإصلاح النهائي هو تحقيق مبدأ "الشعب مصدر السلطات" .. وإعمال مبدأ تداول السلطة ، بالاحتكام الدوري لصناديق الاقتراع
3. الحراك الإصلاحي في الأردن ليس ترفا ولا محاكاة.. بل هو ضرورة حتمية .. يستمد شرعيته وقوته من قوة الحق وسلمية الوسائل .. فـ{ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب}!
4.  الإصلاح ينهض على أكتاف كل الأردنيين ولمصلحتهم جميعا .. ويتطلب تعزيز الوحدة بين جميع مكونات الشعب .. واحترام هذه المكونات ..
5. الحركة الإسلامية جزء مهم من نسيج الوطن ، وعنصراً مهماً من حراكه السياسي ورأس حربة في مشروعه الإصلاحي.. 
6. هيبة الدولة تتحقق بالنزاهة والشفافية والمصداقية والعدل بين الناس... ورفع الحصانة عن الفاسدين .. وتقديمهم إلى المساءلة القانونية
7. المشاركة الحقيقية في الحياة السياسية تتطلب إرادة حقيقية للسير نحو الإصلاح الجذري بالقوانين والتشريعات والممارسات،

الأردن اليوم أمام تحديات داخلية وتهديدات خارجية .. ولا يمكن الوقوف في وجه هذه التحديات والتهديدات إلا بإعادة السلطة للشعب.. وكف أيدي العابثين .. فالأردنيون يريدون وطنا آمنا ًمستقراً..و دولة مدنية ديمقراطية .. ووطناً خالياً من الفساد والأزمات !!

eidehqanah@yahoo.com

لماذا يلعب الأردن دور العراب الفاشل ؟؟



د. عيدة المطلق قناة

رغم إخفاقات "الرباعية" في التوصل إلى اتفاق حول سبل استئناف المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية إلا أن مبادرة أردنية نجحت  في الرابع من يناير/ 2012 – بعقد بلقاءات فلسطينية – إسرائيلية  في عمان برعاية الرباعية .. وخرج علينا وزير خارجيتنا مبشراً بأن هذه الاجتماعات ثمرة "جهد دبلوماسي أردني مكثف" ..هدفه .. "كسر الجمود الذي يعتري عملية السلام" .. ومساعدة السلطة في الخروج من نفق استعصاء المفاوضات ومراوحتها".. خاصة بعد أن أعلنت جميع الأطراف وفاتها ووصفتها بالفاشلة والعبثية .. !!  فالتسوية كانت قد انتهت  – منذ أمد بعيد – وغابت في دهاليز التهويد وابتلاع القدس .. وجدار الفصل العنصري ..والطرق الالتفافية ، والتوسع المنهجي للكتل والبؤر الاستيطانية العشوائية مرورا ببناء الجدران الاسمنتية على الحدود اللبنانية والأردنية.. وإلى ماهنالك من إجراءات على الأرض لا تحترم المعاهدات ولا القرارات ولا الشرعيات!!

فكان من الطبيعي أن يتسم هذا الحدث بالعديد من المفارقات كان من أبرزها أنه في نفس اليوم الذي انعقد فيه اللقاء الأول خرجت معظم الصحف "الفلسطينية"  محملة بالعناوين ذات الدلالة على غرار : "مشاريع للتوسع الاستيطاني.. ومليون مستوطن خلال 3 سنوات" .. "الاحتلال يعلن خططا لإقامة 300 وحدة سكنية جديدة في مستوطنات القدس والضفة.. "عطاءات لبناء 312 وحدة استيطانية بالقدس..  "حفريات في سلوان بالقرب من البلدة القديمة بالقدس" .. !!

أما على صعيد السلطة الفلسطينية فهي تعلن جهارا نهارا منذ فترة طويلة بأنها لن تعود للمفاوضات واللقاءات ما لم يتم تجميد كامل للاستيطان وما لم يتم تحديد مرجعية الانسحاب لحدود 67...!!! ولكن ما أن تم التلويح لها بلقاء حتى وافقت دونما شروط بل وحتى دون المطالبة بإعلان واضح حول "قانونية الاستيطان في الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية" .. قبل الشروع في أي مفاوضات من أي نوع مع الجانب الإسرائيلي,,أما قمة الغرائبية في هذا المشهد العبثي أن تعلن السلطة الفلسطينية بأن "   اللقاءات مع الإسرائيليين ليست مفاوضات" ..

مصير هذه المحاولة لن يكون أفضل من مصير سابقاتها...ما عجزت عنه واشنطن وأوروبا والرباعية الدولية، لن تقوى الدبلوماسية الأردنية على تحقيقه...و ستظل الفجوة التي أسقطت مفاوضات السلام قبل لقاء عمان، على اتساعها بعده... إسرائيل ماضية في الاستيطان وتهويد القدس (عاصمة الشعب اليهودي وليس الدولة اليهودية فحسب)، .. وأن عشرين عاماً من المبادرات والمفاوضات والمؤتمرات، لم يتحقق شيئا .. فلا أرضاً حررنا ولا دولةً أقمنا، ولا لاجئاً أعدنا ..  فهل نعود لذات الرهانات نعيد اختراع العجلة ؟؟

لا أحد يمكن أن يعطي لطرف حقاً يطلبة بالاستجداء والتنازل تلو التنازل .. ولن يتحقق أي انسحاب عبر التفاوض - مهما كانت براعة المفاوضين وإخلاص الرعاة وأصحاب المبادرات – ولكن الانسحاب قد يتحقق حين يصل المحتلون إلى قناعة بأن لدينا - كفلسطينيين وكأمة – خياراتنا  وبدائلنا الحقيقية .. وما لم تتأكد من جديتنا النضالية لتحقيق أهدافنا بالتحرر وكنس الاحتلال .. بأيدينا ودمائنا .. ليس بالمفاوضات والكاميرات والشاشات واللقاءات المغلقة أو المفتوحة السرية أو العلنية

أما بالنسبة للأردن فعلى الصعيد الشعبي هناك ما يشبه الإجماع باعتبار المبادرة الأردنية هي عقيمة وعديمة الجدوى والفائدة .. كما قوبلت بكثير من الرفض والتنديد وإطلاق جملة من التوصيفات منها أنها " خطيئة سياسية توجه ضربة كبيرة لجهود استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية".. و.. "لعب في الوقت الضائع" .. و أنها " إعادة درامية لمسلسل المفاوضات العبثية  " .. وأنها "لقاءات سرية يكتنفها الغموض وتفتقر للشفافية ".. وأنها مناورة خاسرة بل مصلحة إسرائيلية محضة .. !!  فإسرائيل مستمرة بالاستيطان وتهويد القدس وترفض الإقرار بأي حق من الحقوق الفلسطينية..

كذلك فإن المبادرة وما حدث على ضفافها يحمل جملة من الملاحظات لعل منها:
1. المبادرة الأردنية استفزازية بحيثياتها وتفاصيلها .. يكفي أنها بالنسبة للأردنيين فإنهم يعتبرونها مبادرة لإنقاذ "إسرائيل" من ورطتها مع الربيع العربي" .. ودور الأردن في عملية الإنقاذ مرفوض ومدان .. ثم أي حكمة في هذه الاستضافة الأردنية الكريمة للصهاينة على أرضنا وفي هذا الظرف الأردني بالذات؟؟
2. يعلن الأردنيون بأن ما يقومون به ليس وساطة .. رغم كل ما بذلوه - على أعلى مستوى في الدولة -  من ضغوط مكثفة من أجل جمع الأطراف .. فإن كان كل هذا الجهد الأردني ليس وساطة فكيف يمكن تكييف هذا السلوك الدبلوماسي والسياسي الأردني ؟؟ أو ليس ما جرى مسرحية فاشلة .. تقتضي من الأردن أن يخرج منها لا أن يظل لاعب كومبارس فيها ؟
3. يقول وزير خارجيتنا بأن هذه المبادرة هي مصلحة أردنية عليا.. ونقول لقد نفذ الصهاينة قبيل وقت قصير اعتداء على الأرض الأردنية .. فأي دبلوماسية .. أو فهلوة سياسية في القيام بهذه المبادرة بعد هذا الاعتداء ؟؟ ومن ثم أي مصلحة للأردن في لعب دور العراب في عملية فاشلة.. ؟ أم أن العراب يكتفي من الغنيمة  ببعض "الثناءات" و"الإشادات" الأمريكية والأوروبية ؟؟ 
4.  على صعيد العلاقة بين النظام والشعب الأردني نتساءل :  أليس من بديهيات إقامة علاقة سلسة بين النظام السياسي والشعب أن تنطلق كافة قرارات وسلوكيات النظام  من قاعدة "الالتزام بإرادة الشعب واحترام مشاعره والتعبير عن مصالحه ؟"  أليس من الاستفزاز أن تنصرف الحكومة عن مشهد داخلي مرتفع الحرارة تزداد حدة التوتر فيه يوماً بعد يوم بمبادرات وممارسات ترفع حدة التوتر وتوسع الفجوة بين النظام والشعب ؟ أم أن هذا النوع من التصعيد هو بحد ذاته سياسة حكومية في هذا الظرف بالذات؟؟  
وأما عن نكتة المصلحة الوطنية فنقول بأن الوضع الداخلي الأردني أكبر من أن ننصرف عنه في ممارسات عبثية .. فمصلحة الأردن تتحقق فقط بزوال هذا الكيان الغاصب .. ؟؟

eidehqanah@yahoo.com

الأحد، 1 يناير 2012

استبيح الوطن والإنسان.. حتى طفح الكيل..


استبيح الوطن والإنسان.. حتى طفح الكيل..
د. عيدة المطلق قناة

منذ انطلاقة النسخة الأردنية من الربيع العربي  المنادية بالإصلاح السياسي والاقتصادي ومكافحة الفساد؛ وقوى المناهضة للتغير ما فتئت تناهض حركة الإصلاح بأشكال متعددة من المقاومة والقمع.. من هذه الأشكال ما يتجلى بالاعتداءات المتكررة – من قبل مجموعات من البلطجية - على المسيرات والاعتصامات ( أوقعت المئات من الإصابات وتخريب الممتلكات في ساحات الحسيني ودوار الداخلية ، وساحة النخيل ، وخرجا ، وقميم ، واربد وساكب ، واللبن،  والطفيلة ، وسلحوب، وربما لن تكون المفرق آخرها).. ومنها ما يتجلى بالإساءات المتكررة لرموز وطنية ومنعها بالقوة من ممارسة نشاطها..  ناهيك عن شيطنة العديد من الرموز الوطنية والأحزاب السياسية والحراكات الشبابية والمؤسسات المدنية عبر مسلسلات لا تنتهي من الافتئات والتضليل واغتيال الشخصية.. !!
على أن أسوأ الممارسات - التي يقوم بها - أعداء التغيير - هي تلك التي تتم بتواطؤ حكومي ورعاية رسمية  .. ففي كل الاعتداءات التي جرت شهد العالم على  بلطجية ينهالون على رؤوس المواطنين المسالمين بوابل من الحجارة والطوب والدبش والحديد والأخشاب .. يستهدفون الرؤوس والعيون بضربات قاتلة .. ويلحقون أضراراً بالغة في الأشخاص والممتلكات وانتهاك المساجد والمقدسات  .. وكل ذلك يتم على مرأى ومسمع المئات من قوى الأمن .. بل إنه الأمن حين يتدخل فإنه يقوم بإطلاق غازاته المسيلة للدموع باتجاه المتظاهرين والمعتصمين بعيداً عن اتجاه المعتدين من البلطجية وشذاذ الآفاق.. !!

في جميع هذه الاعتداءات رأينا : عيون تفقأ .. وجماجم تكسر .. وعظام تهشم .. ورأينا  مئات الإصابات الخطرة .. وحالات إغماء دونما إسعاف ولا مسعفين .. رأينا حرائق تشتعل تلتهم المقرات دونما تدخل من "الدفاع المدني" لإطفائها .. رأينا ممتلكات تنهب .. وسيارات تحطم دونما  تدخل من رجال الشرطة لمنعها..
·      أليس هذا هو التواطؤ بعينه؟؟
·  و هل من الممكن أن يجري ذلك على مرأى قوى الأمن دونما تنسيق مسبق بين أجهزة الأمن والبلطجية؟؟  ..

إن ما جرى مؤخراً في المفرق كان فادحاً وخطيراً فكان من الطبيعي أن يستثير حملة واسعة من التنديد والاستنكار .. حتى أن الحكومة اعتبرت ما جرى جريمة غير مقبولة".. أما القوى الإصلاحية فقد وصفته  بـ"الاعتداء الإجرامي المبيت".. وتم بـ"رعاية السلطة وتخطيط أجهزتها".. بهدف وقف الإصلاح وقمع المنادين بالإصلاح وتحصين الفاسدين ..!!
اليوم هناك إجماع بين القوى الوطنية والإصلاحية في الأردن على رفض كل ما تكشفه هذه الممارسات من سياسات بائسة لعل منها :
·  السياسات المتناقضة للحكومات المتعاقبة التي تراوح بين  (الاعتراف والإنكار) فالحكومة إذ تقدم بعض الإصلاحات بيد فإنها تقوم بشراء الوقت والاستقواء على الإصلاحيين وإعادة إنتاج أدوات القمع باليد الأخرى..  
·  خروج الأجهزة الأمنية على سلطة الحكومة وولايتها يشكل تجاوزاً على "مبدأ استقلال السلطات والولاية العامة للسلطة التنفيذية..
·   تصنيف الأردنيين إلى معارضة وموالاة .. والتشكيك بقوى الإصلاح والتشويه المتعمد للحراك الشعبي عبر الرعاية والحماية لمسيرات "فزعة وطن".. التي "يفزعون" فيها للوطن  بالعنف والاستفزاز والطوب والحجارة وسيل من الشتائم تبدأ بالمقدس ولا تتوقف عن الأعراض والحرمات .. فهل هكذا نفزع للوطن ؟؟ 
·  سياسية إعلامية ما زالت قائمة على التطنيش وتغييب الحقائق .. جعلت الأداء الإعلامي الرسمي فاقدا للمهنية يصدق فيه قول "نقيب الصحفيين" [الطخ في المفرق والتلفزيون في هونولولو]!!

باختصار إن مقاربة هذا المشهد المتوتر لا يمكن أن تتم بعيداً عن مقاربة  حالة الفساد العارمة التي ابتلينا فيها .. فتقارير ديوان المحاسبة السنوية تزخر بالتجاوزات الخطيرة؛ فلا تكاد تخلو مؤسسة من مؤسسات البلد من شبهات فساد وتجاوزات على المال العام، بدءاً من الديوان الملكي ورئاسة الوزراء.. مرورا بالمؤسسات الحكومية والمستقلة وحتى القطاع الخاص.. وليس انتهاء بمنطقة العقبة الاقتصادية جنوباً أو منطقة المفرق التنموية شمالاً )  فالتجاوزات التي تشير إلى بعضها تقارير "ديوان المحاسبة "  ربما تفوق كلفتها نصف المليار دينار سنوياً .. (مع العلم بأن هناك مؤسسات - ومنها مؤسسات سيادية - غير خاضعة لرقابة ديوان المحاسبة ).. !!

حيثيات المشهد الأردني تؤكد أننا أمام حالة فساد خطيرة .. جرت في سياق برنامج الخصخصة – سيء الذكر- وللاستدلال على وقوع هذا الضرر ربما تكفي الإشارة إلى تصريح الرئيس "عون الخصاونة" في مجلس النواب (يوم 21/12/2011) بأن  "عملية الخصخصة و بيع للقطاع العام و الشركات المملوكة للدولة في السنوات الماضية هو جزء من عملية نهب المال العام"..

وها نحن اليوم أمام طبقة متنفذة من الفاسدين الكبار الذين استباحوا المال العام..وسطوا على مقدرات الدولة - سرقة واستيلاء- فاستنزفت مقدرات الوطن  .. والحقت الضرر الأكبر بحقوق مواطنيه وأرضه وثرواته – ما اكتشف منها وما بطن .. !!

إن الاعتداءات المتكررة على الإصلاحيين بالقمع الأمني والاستقواء بالبلطجية واستثارة عصبيات - ما قبل الإسلام –   يشكل طعنة للإصلاح وتهديداً للنسيج الوطني والاجتماعي عبر التفتيت وتمرير صفقات لتقاسم النفوذ والمكاسب.. وتشرعن استحلال حرمات الأردنيين الوطنية .. وتترك الأردن  وطناً  مستباحاً لكل بغاث الأرض .. بعد أن جرى استزراع حالة مرضية من "الخوف"  الذي سكن في تفاصيل حياة الأردنيين .. خوف من الحيتان المهيمنين على كل مفاصل الحياة .. خوف من قطع الرزق .. خوف من الجوع .. خوف من الإهانة .. خوف من انتظار أبدي لوظيفة يصعب نيلها إلا بموافقة أمنية - بعيدة المنال - تمر عبر مسلسل من التعذيب والترهيب والامتهان النفسي الذي يخلف ندوباً لا تنمحي في الوجدان الفردي والجمعي على حد السواء!!  

على أن أخطر ما في الاعتداءات المتكررة على حقوق الأردنيين في التعبير والانتقال والتظاهر في أي بقعة من بقاع الوطن يكمن في ما يلوح في الأفق من سعي لفرض حالة من  "المحاصصة السياسية" (على أسس عشائرية ) بالبلطجة والتخويف والإرهاب .. فإذا ما استمر التغاضي عن مثل هذه الممارسات فإن حلم هذه "المحاصصة البائسة" سيتحول إلى "مشروع تفتيتي" لا يختلف عن المشاريع التي قامت على أسس إثنية وقبلية أو طائفية في عدد من دول المنطقة .. والتي وصل بعضها درجة التفكيك فكانت "كونفدرالية كردستان العراق ".. ودولة جنوب السودان "..وربما البقية تتبع  !!

الأردن اليوم أمام تحديات خطيرة أشدها أننا لا ندري إلى أين يقودنا حماة الفساد؟ فجميع حيثيات وتفاصيل المشهد الراهن - بما فيه من خيوط متشابكة - يشير إلى  محاولة لإدخال الوطن في نفق مظلم عبر "نهج"  شرس من البلطجة .. وحتى لا نسقط في براثن هذا النهج لا بد من مواصلة الحراك مهما بلغت الأثمان حتى تحقيق الإصلاح الكامل باستعادة الشعب لسلطاته وتداولها سلميا عبر صناديق الاقتراع الحر النزيه.. كما لا بد من تحمل المسؤولية وعدم السماح لأي فئة مهما بلغت سطوتها بالانحدار بالوطن إلى الفتنة والفوضى والخروج على القانون .. وإسقاط هيبة الدولة .. للعودة بالأردن إلى مرحلة ما قبل الدولة..!!

eidehqanah@yahoo.com