الخميس، 22 سبتمبر 2011

أمة في صعود .. وعدو في أفول

د. عيدة المطلق قناة

عقود طوال وقعت فيها الأمة تحت ربقة أنظمة استبدادية هيمنت على السلطة والثروة ورهنت قرار الأمة للخارج.. عقود على اتفاقيات "كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة" التي صادرت القرار السيادي للأمة بما فيها القرار السياسي والاقتصادي وحتى الاجتماعي.. وخضعت أنظمتا للاشتراطات والإملاءات الأمريكية بالانفتاح الاقتصادي ، وخصخصة القطاع العام ، وارتهان مقدراتنا الحياتية  للمساعدات الامريكية.. ومحاصرة لقمة عيشنا.. وتهميشنا بين الأمم . ناهيك عن إلزام مصر بتصدير أغلب انتاجها من الغاز والبترول  للعدو الصهيوني بأبخس الاسعار.. ومحاصرتها بلقمة عيشها إذ تم منعها من إنتاج القمح .. حتى أصبحت الاستهانة بمصر والتطاول عليها السمة الغالبة على السلوك الصهيوني طيلة عقود من الإرتهان والإذعان لعدو انفطر على التآمر والعدوان، وارتكاب المذابح ، واتسم بالصلف والعنجهية والاستعلاء والنظر الدونية ..

لقد جاء السلوك الإسرائيلي تجاه حادثة قتل الجنود المصريين .. ورفضها الاعتذار أو حتى إجراء تحقيق فى الحادث ليؤكد حجم الاستهانة والتطاول والتهميش الذي نال من الهيبة والسيادة المصرية .. ولكن رد الفعل على هذه السلوكيات في مرحلة ما بعد الثورة المصرية والربيع العربي جاء مختلفاً عن سابقاتها .. إذ فتحت الحادثة جرحا غائراً في القلب والكرامة والكبرياء العربية بعامة والمصرية بخاصة.. وأعادت فتح كل الملفات.. ولا أظن أنه بات من السهل إعادة الملفات الساخنة في العلاقات العربية الإسرائيلية أو العلاقات العربية الدولية إلى سابق عهدها .. !!

فحين تفجر الربيع العربي لاحظ المراقبون تراجع "قضايا الأمة " أمام أولويات ثورات  الحرية والكرامة والخلاص من الاستبداد والتهميش.. فظن الكثيرون أن الثوار لم يعودوا على ارتباط بالأمة وقضاياها المركزية.. !!

وبالرغم من أن  هناك  -  حتى من داخل "إسرائيل" -  من يعتقد بأن من أهم أسباب قيام بن بأنقيام ثورة 25 يناير هو تصرفات إسرائيل المستفزة.. وما جره النظام المصري المخلوع من إهانة لمصر وتهميش لدورها .. بدعمه المتواصل للعدو الصهيوني وتعاميه  عن المجازر التي يرتكبها هذا العدو بل وتغطيته الدائمة لها، إن لم نقل دعمه المباشر لها.. إلا أن لدينا نفر من المشككين أخذوا يروجون لمزاعم - لا أساس لها من الصحة - بأن "الربيع العربي ما هو إلا مؤامرة أمريكية صهيونية لإعادة ترتيب أولويات الأمة بعيداً عن الخطر الصهيوني ومصالحها..

إلى أن جاءت حادثة العدوان الصهيوني على سيناء وقتل الجنود والمدنيين المصريين .. ورفضه حتى الإعتذار.. دون رد من السلطة المصرية.. فكانت بمثابة القشة التي كسرت ظهر البعير .. فانفجرت براكين الغضب المكبوت.. وعلت صرخات الاحتجاج .. وأرسل المصريون رسالتهم لمن يهمهم الأمر فطوقوا وكر العدو وأنزلوا العلم البغيض .. وهدأوا بانتظار "رد حكومي ما "على إستباحة الدم والكرامة وإهانة الدولة وإنتقاص سيادتها.. ومرة أخرى جاء الرد الحكومي "استفزازياً مفزعاً" بإعادة رفع علم الكيان الصهيوني.. وبناء سور لحماية العدو.. حتى بلغ الغضب الثوري النبيل مبلغه فانقض الثوار بـ"الشواكيش" على جدار الإذعان .. ثم اقتحموا وكر التآمر والتجسس ، وأنزلوا العلم اللعين للمرة الثانية ..وهتفوا بحناجر الأمة  من محيطها إلى خليجها "ارحلوا عن ديارنا، اخرجوا من تحت جلودنا" .. فاشتعل الموقف .. وتدخلت قوات الأمن .. ولكن الأمر كان أكبر من أن يمنع!!.. فها هو السفير الإسرائيلي في مصر " اسحاق ليفانون" يروي لـ''هآرتس'' لحظات الرعب التي عاشها عند اقتحام السفارة قائلاً : "أدركت ان الموقف على غير ما يرام..  عندما علمت من حارسي المبني أن المتظاهرين أحدثوا فتحة في الجدار.. وبلغت ذروة الضغط الحقيقي عندما أخبروني عبر جهاز الاتصال أن "المتظاهرين اخترقوا .. اخترقوا ... اخترقوا المبني"... وفى تلك اللحظات وصل المتظاهرون إلى الطابق السادس عشر الذي توجد به السفارة ، وهنا أدركت أننا في حالة طوارئ قصوى " !!

إذن - مهما تفلسف المتحذلقون .. ومهما شكك المشككون .. فإن اقتحام هذا الوكر الصهيوني هو عمل وطني بطولى بامتياز .. يمكن أن يعتمد نموذجاً للقادم من الفعاليات الشعبية في النضال الشعبي السلمي لإعادة الاعتبار للكرامة الوطنية .. لقد عبر المصريون الأشاوس بهذا العمل عن الشعور الحقيقي للأمة الواحدة .. كما أعادو توجيه البوصلة الثورية نحو اتجاهها الصحيح .. و سجلوا بالشهادة والدماء الطاهرة  رفض الأمة للوجود الصهيوني .. وأكدوا بأن أحوال الأمة لا يمكن لها أن تستقيم بدون إعادة الاعتبار للكرامة الوطنية التي استبيحت باتفاقيات العار مع العدو الصهيوني .. وبإنهاء هذه العلاقة الشاذة مع أعداء الأمة.!!

لقد صنع المصريون منجزاً تاريخياً نعتز به .. فهذا المنجز أكد بما لا يقبل مجالاً للشك بأن الاحتلال إنما يستمد قوته وهيبته من بقاء الأنظمة الاستبدادية التي تصادر حق الشعوب في التعبير عن إرادتها وتمنعها من حسم خياراتها نحو استعادة الحقوق والكرامة المفقودة.. !!

فهل يدرك المشككون حجم المتغيرات التي طرأت على المنطقة بفعل الربيع العربي؟  وإلى متى
ستظل أنظمتنا الرسمية على احترامها الاستفزازي لاتفاقيتي العار - كامب ديفيد ووادي عربة – مع عدو لم يحترمها وليس على استعداد لاحترامها ؟ 

الكرة اليوم فى ملعب الشعوب وقواها الحية شريطة ألا يظلوا رهائن للخوف والعجز .. لقد ولى زمن الابتزاز والاستغلال.. واستيقظ العرب.. وها هي الأمة – كل الأمة -  دخلت مرحلة نهوضها التاريخي .. في حين بدأ عدوها مرحلة أفوله الحتمي ..



http://twitter.com/#!/eidehqanah



السبت، 17 سبتمبر 2011

الحادي عشر من سبتمبر .. قراءة في الحصاد

د. عيدة المطلق قناة

عقد على ذلك اليوم الذي  هز أمريكا وغير العالم ، وشكل نقطة تحول في تاريخ العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي والعربي؛ ووضع العرب والمسلمين على مفترق طرق .. يوم  اتخذت الولايات المتحدة من أحداثه منطلقاً  لأولى حروب القرن .. فشنت حربها المركبة المفتوحة عدواناً واحتلالاً وإعلاماً وتحريضا وأفكاراً ضد الإسلام والمسلمين، وجعلت "الإسلام عنواناً رئيساً للإرهاب... ونصبت الولايات المتحدة من نفسها "هبل العصر".. وباتت  امبراطورية حصرية للشر .

عقد تكالبت فيه الأمم علينا .. شهدت المنطقة أشكالا متعددة من الضغوط والحصارات والابتزازات والملاحقات للأنفس والأموال بذريعة ملاحقة الإرهاب وتجفيف ينابيعه الاقتصادية والمالية .. وتم الاستيلاء على مقدرات الأمة وإهانة كبريائها واستباحة دمائها وانتهاك كل مقدساتها وقمعت حرياتها .. وقتلت الآلاف.. وفتحت السجون السرية والعلنية ..والسجون الطائرة والثابتة .. وزج بعشرات الآلاف من المسلمين في هذه السجون الرهيبة ظلماً وبهتاناً..  

عقد تعرض فيه  العرب والمسلمين لمختلف ألوان التمييز والتضييق والتشويه .. حتى أصبح الانتماء إلى العروبة شبهة، وأصبح الإسلام مادة لحملات التشهير والإساءة.. !

حرب على الإرهاب شنتها أمريكا دون أن تحدد ماهية هذا العدو.. بل أخذت تتخبط في توسيع مفهوم الإرهاب  .. وراحت تفرض رواياتها على العالم .. بل تجاوزت على القانون الدولي .. حين جعلت الإرهاب صنواً للمقاومة .. مما أدى إلى تجريم المقاومة العربية والإسلامية ، وتم إدراج جل منظمات المقاومة في لائحة الإرهاب – أي في بنك الأهداف – لهذه الحرب المفتوحة .. كما خيم صمت مطبق على ملاحقتها واضطهادها بل والحرب المفتوحة عليها ..

على ضفاف هذه الحرب نشأ حلف غير مقدس بين الأنظمة الحاكمة وقوى الاحتلال.. وتحت يافطة هذا التحالف .. شهدت جميع الدول العربية تضخماً غير طبيعي في أجهزة الأمن والقمع وشهدت الساحة العربية والإسلامية  حالة غير مسبوقة من التنسيق الأمني المباشر مع قوى الاحتلال والعدوان .. وصل حد التعاون الأمني والاستخباراتي والعملياتي.. صودرت الحريات .. وتراجعت الحقوق وارتكبت انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان .. وعم الفساد المالي والسياسي والإداري .. وتم تهميش الشعوب وإقصائها عن المشاركة في الحياة العامة ..

عقد من المعاناة على غير صعيد .. تحالفت فيه كل قوى الشر العالمية ضد المسلمين ورمتهم عن قوس واحدة.. عبر موجة عارمة من هجوم سياسي وعسكري عنيف على المنطقة العربية ... فانقلبت موازين القوى .. وفرضت القوة المهيمنة روايتها وعولمتها وقيمها وخطابها .. وحين أخفق العرب والمسلمون في "صياغة تعريف خاص بهم للإرهاب" انصاعوا للأملاءات وانجروا وراء المفاهيم والتعريفات المتحولة .. كانت النتيجة أن وقعت الأمة بالمزيد من التبعية العربية للغرب، وخصوصاً في الجانب الاقتصادي ، لعل من أبرز دلالاتها  صفقات خيالية للسلاح لا مبرر لها سوى إنعاش صناعات الأسلحة والاقتصادات الغربية.. وتحويل أوطاننا إلى مكبات لنفايات الأسلحة .. وساحاتنا وشعوبنا مختبرات لتجريبها..

على الصعيد الفلسطيني تم إطلاق يد إسرائيل للتنكيل بالفلسطينيين وخاصة في غزة والقدس.. والتمدد للتنكيل بالعرب والمسلمين ..
وفي سياق الحرب على الإرهاب تم احتلال العراق وأفغانستان ..  وتمت مصادرة القرار العربي .. وانتشرت في أراضينا ومياهنا القواعد العسكرية والأساطيل..

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل برزت لدينا نخبة من المنافقين من بني جلدتنا ، باتت متخصصة بصياغة واختراع المسوغات لكل ما يجري من تشويه واعتداء على مجمل منظومة القيم.. بل ومطالبة الشعوب بالرضوخ للغطرسة والاستعلاء والتسلِّط والتجاوز على هذه القيم ... فتنبى بعض من نخبنا الرواية الأمريكية/ الصهيونية للعلاقة الوثيقة بين الإرهاب والإسلام.. وراحوا يروجون لخرافة اخترقها الإعلام مفادها أن "كراهية أمريكا لدى العرب والمسلمين إنما هي ثمرة  للتعاليم والنصوص الدينية والبرامج الدراسية".. في تجاهل متعمد للسياسات الأمريكية العدوانية تجاه العرب والمسلمين .. وما تم تحت مظلتها من حروب إبادية واحتلالية للمسلمين وأوطانهم .. ناهيك عن الانحياز الأعمى للكيان الصهيوني والتغطية على كل جرائمه بحق الإنسانية .. !!

وفي كل عام - مع حلول ذكرى الحادي عشر من سبتمبر - يتصاعد النفاق بالحديث عن "النجاح الأمريكي في الحرب على الإرهاب" .. رغم أن معظم المحللين الأمريكيين لا يعترفون بهذا النجاح .. بل إن العديد منهم يقر بإخفاق الولايات المتحدة في هذه الحرب .. ويرون بأن العالم ما بعد هذه الحرب أصبح أكثر خطورة من عالم ما قبلها .. بدلالة ارتفاع عدد العمليات الإرهابية .. وانتشارها على الخارطة الكونية .. وارتفاع أعداد ضحاياها .. وارتفاع منسوب التوتر في العالم..

إن  ما حدث في نيويورك وواشنطن في العام 2001 هو عمل إرهابي كبير – لا شك في ذلك-  ولكن ما تلاه من أحداث هو – بكل المقاييس – أخطر وأعنف وأشد إرهاباً وتدميراً على العالم بأسره  .. فقد برزت "الإمبراطورية الأمريكيَّة" كدولة عسكرية إرهابية تعيش حالة استنفار حَربي دائمة...دولة تحللت من حقوق الإنسان، دولة تجاوزت على القانون الدولي .. دولة تسعى للهيمنة وتصدير "النموذج الأمريكي" قَسرا .. وتطويع القانون الدولي لِخِدمة مصالحها، وتجريد المنظَّمات الدولية من الشرعية التي تتمتَّع بها.. وما زالت الإملاءات الأمريكية متواصلة لا تنتهي.. !!

إلا أن من الأمور التي لم يحسب لها أي حساب، هو أن هذا التهاون والتغاضي بل والتواطؤ العالمي - الذي وصل حد شرعنة  الانتهاكات الفظيعة لمجمل منظومة الحقوق الإنسانية للعرب والمسلمين أفراداً وجماعات وأوطانا-  استثار فيضاً من الغضب في الشارع العربي .. وتحول إلى بركان من الثورة اجتاح ويجتاح الوطن العربي  .. هذا البركان الثوري كسر عن الأمة حاجز الخوف الوهمي الذي لازمها لعدة عقود .. وعندها وقف العالم مبهوراً أمام قدرة شعوب هذه الأمة على الثورة والتغيير والانتصار.. وعلى صياغة النظام الدولي الجديد على أسس أكثر عدلاً وإنسانية  !!


eidehqanah@yahoo.com

السبت، 10 سبتمبر 2011

تحررت ليبيا .. وانتصرت أخلاق الثورة

د. عيدة المطلق قناة

عاشت شعوب أمتنا في ظل موجة عاتية من الظلم والقهر وحكم الدكتاتوريات المستبدة .. وبات وطننا ً خليطاً عجيباً من قصور وخيام وبيوت الصفيح .. ومن زنازين وأقفاص وسجون..  شعب مفقر .. وشباب محبط مهمش .. في ظل غياب لمعايير العدل الاجتماعي.. واختلال جوهري في التوزيع العادل للثروة ، وتفش لمظاهر الفساد والإفساد.. وإهمال للتعليم والصحة والتنمية البشرية والاقتصادية والإنسانية!!

ولكن ومنذ مطلع هذا العام تعيش ذات الأمة حالة نهوض تاريخية غير مسبوقة .. إذ تفجرت الانتفاضات في غير مكان من هذا الوطن الممتد من المحيط إلى المحيط .. وأخذت كرة الثلج تتدحرج من تونس غربًا وحتى سوريا شرقًا.. ومن ليبيا شمالاً إلى اليمن جنوباً .. ثورات ما فتئت أن قوبلت جميعها بالعنف والقسوة.. ولكن كلما ازداد عنف المواجهة وازدادت القسوة كلما اشتد عود هذه الثورات وتنامت .. حتى أصبحت كل قطرة دم عربية بمثابة شرارة تذكي اشتعال الثورة..

ولكن حتى تاريخه تبدو مجريات الثورة الليبية وربما السورية معها .. حالة متطرفة من المواجهة العنفية الاستئصالية .. فالليبيون يواجهون:  
·   نظاماً مهووساً استعلائياً سفيها سيء الخلق ..اتسم بالتخلف والجهل والفوضى .. وإهدار قيمة الإنسان وامتهان كرامته 
·   نظاماً  استعذب القتل والدم والإيذاء .. وقام على شلة من المتهافتين والمنتفعين .. والراقصين على كل الحبال.. والآكلين على كل الموائد ..  
·   نظاماً  "أسروياً" ً قام على الفساد والاستبداد.. فلم يحسب للشعب حساباً ، بل اعتبره جزءاً من ممتلكاته الخاصة .. وحول الوطن – كل الوطن – إلى عزبة ..واستخدمه أداة لتحقيق أغراضه وأحلامه الشخصية ومشروعاته وأمجاده الفردية على حساب تطلعات الشعب الليبي الحقيقية.
·   نظاماً فردياً مطلقاً .. أبطل الدستور، وجرم الحزبية وأمم الصحافة .. ومنع قيام مجتمع مدني .. وأفسد الحياة الاقتصادية .. ونشر الفساد المالي والإداري في كل مرافق الدولة، فتدهور التعليم والصحة والبيئة وعمت البطالة والفقر..
·     نظاماً مفرطاً في الغرائزية  .. قام على التسكيت والتفتيت والتشكيك.. فاستحق لقب " الطاغية الأكثر كراهية لشعبه"  

فجاءت الثورة الليبية على نظام هذه الأسرة التي أنشبت أظفارها في  رقاب الشعب وممتلكاته ومقدراته وثرواته.. وتربعت على كل مرافق الدولة ومؤسساتها.. ووقفت حجرعثرة أمام التغيير الشعبي السلمي ... ولم تضع في حسبانها أن الشعوب لا تموت .. فراحت تتهدد وتتوعد بجعل ليبيا خراباً وأرضاً محروقة ..  فصدرت الأوامر من رأس الهرم السلطوي "بالقتل والحرق والتدمير والاغتصاب" ..  ومضى في تنفيذ أكبر عملية تدمير للوطن – ربما في التاريخ – وإن كان العالم قد شهد على جريمة ممتدة ومتصلة طيلة أربعة عقود .. إلا أنه شهد في الشهور الستة من عمر الثورة جرائم لم تشهدها حروباً عالمية كبرى  .. لقد كانت حصيلة "حرب القذافي" على شعبه  (خلال هذه الشهور الستة فقط) عشرات الآلاف من الضحايا ما بين شهيد وجريح ومعاق ومفقود وسجين ومغتصبة .. ودمار شامل نال من كافة البنى التحتية والفوقية للدولة  الليبية .. فضلا عن الدمار الإنساني الذي ربما يحتاج لأجيال قادمة حتى يتمكن الليبيون من تجاوز آثاره .. ناهيك عن المئات من مليارات الدولارات التي تم تبديدها في هذه الحرب المسعورة التي فتحها هذا النظام البائس على كل الليبيين دون هوادة..

واستمر الثوار يتقدمون يوما ًبعد يوم .. حتى كان موعدها مع العشر الأواخر من رمضان الفتح والنصر والتحرير .. حين انتفضت طرابلس .. وزحف الثوار من كل حدب وصوب  لاستنقاذ عاصمتهم.. فدخلوها مكبرين وأشرقت شمسها بالحرية والفخار والعزة والكرامة.. !!

لقد سقط الطاغية الذي ظن أنه سيظل أبدا فوق رقاب العباد.. .. سقط مذموماً مدحوراً  تلاحقه لعنة التاريخ.. ولعنات الشهداء والأمهات الثكالى والأرامل .. وآنات المعذبين والمستضعفين والمعوقين ..  
لقد انهار نظام استبدادي آخر دفعة واحدة .. وسيكون لهذا الانهيار ما بعده عربياً وعالمياً وستتلوه انهيارات أخرى في جدار الاستبداد العربي السميك!!

فهنيئاً لشعب طويت له كل الأرض الليبية الفسيحة ليتدفق ثواره ذات فجر رائع .. فيصنعون "فجر عروس البحر" .. طرابلس العزيزة..

وهنيئا لشعب ليبيا العظيم انتصاره بالدم والشهداء.. والشجاعة الأسطورية .. وهنيئاً لهم ثوار أبوا وهم في غمرة الانتشاء بالنصر المضمخ بالدم والتضحيات الجسام.. إلا أن يتساموا على كل الجراح  .. فكان المشهد الآسر وكانت الدهشة .. إذ حلت مفردات القوة والشجاعة والرقي والحكمة ، محل مفردات السفاهة وسوء الخلق .. فجاءت كلمات الثوار رصينة قوية واثقة تنضح بالحكمة وأخلاق الثورة .. تعلن انتهاء مرحلة الجهاد الأصغر ، وإطلاق مرحلة الجهاد الأكبر .. وتبشر بمستقبل رائع لليبيا وشعبها العظيم..

إننا نتطلع كما يتطلع الليبيون إلى مستقبل يقوم على دستور يعبر عن تطلعات الشعوب بالحرية والكرامة ... دستور ينظم الحقوق والواجبات ويحدد شكل الدولة ونظام الحكم .. دستور يرسي دولة القانون والحق والعدل .. ويقطع دابر الاستبداد والتفرد..  ويقر بدقة وشفافية عالية جملة من المبادئ الأساسية ومنها أن:
·       الشعب وحده مصدر كل السلطات ..
·        الرئيس خادم الشعب لا حاكمه ..  وأنه رمز الدولة .. لا رأس السلطات فيها! 
·        لا رئاسة مدى الحياة
·        لا توريث لابن أو صهر أو قريب !

وفي سياق انطلاقة مرحلة البناء والجهاد الأكبر يمكن التذكير ببعض الملاحظات ومنها :
·       أن الثورة فصل تاريخي شعبي مداده الدماء..
·       وأن الربيع العربي لم يكن نزوة عابرة بمقدار ما هو طوفان لن يتوقف قبل تحقيق أهداف الشعوب .. 
·       وأنه حين تثور الجماهير وتنتصر فإنها لا ترتضي المساومة وأنصاف الحلول.. أو النكوص عن غاياتها. ..
·       وأن كل الشعوب العربية تتشابه حتى في الحالات الثورية.
·       وأن فساد الحكام .. ونهجهم الظالم هو ما عرض دولنا وشعوبنا لأطماع الدول الكبرى..
·        وأن "نهاية القذافي" درس لزعماء المنطقة الذين يتجاهلون مطالب التغيير التي ترفعها شعوبهم.؟؟
وختاماً
هنيئاً لشعب يؤوب ثواره للحكمة والرشد في لحظات النشوة والانتصار ..

eidehqanah@yahoo.com

تقرير "بالمر" .. والمواقف المتناقضة


تقرير "بالمر" .. والمواقف المتناقضة
د. عيدة المطلق قناة

منذ الحرب على غزة والعلاقات التركية الإسرائيلية تشهد توتراً غير مسبوق تجلى في كثير من المواقف التركية وردود الأفعال الاستفزازية الإسرائيلية عليها .. والتي كان من بينها  الإهانة المتعمدة التي أقدمت عليها إسرائيل بحق السفير التركي، في أوائل هذا العام .. ولكن حكومة نتنياهو لم تستجب لطلب أنقرة بالاعتذار عن هذه الإهانة..

ازدادت حدة التوتر بين الطرفين حتى وصلت طريقاً شبه مسدود في مايو 2010 بعد الهجوم الإسرائيلي على سفن أسطول الحرية (1) الذي كان يحمل مساعدات لقطاع غزة.. والذي أسفر عن مقتل تسعة من المتضامنين الأتراك.. إذ مضت "إسرائيل" في غيها واستبكارها فرفضت الاعتذار وتسوية الأمور مع الدولة التركية .. فأحالت الأمم المتحدة المسألة إلى لجنة تحقيق دولية برئاسة جيفري بالمر رئيس وزراء نيوزيلندا السابق والرئيس الكولومبي السابق ألفارو أوريبي نائباً للرئيس مع عضوية الإسرائيلي جوزف إتسهار، والسفير التركي المتقاعد سليمان أوزدم سنبرك.. وبدأت تحقيقاتها في 10 آب 2010 .

في الثالث من أيلول 2011  تسلم الأمين العام للامم المتحدة بان  كي مون "تقرير بالمر" .. ويشير ما تسرب من هذا التقرير إلى أن التقرير اكتفى بوصف "الهجوم الاسرائيلي" على سفن الأسطول  بأنه "مفرط في القوة وغير مقبول".. ولكن "الجنود الإسرائيليين واجهوا مقاومة عنيفة ومنظمة".. في حين وصف تصرف  " من كان على متن السفينة مرمرة" بعدم الاكتراث في محاولتهم "خرق الحظر البحري الشرعي.. على قطاع غزة"

استثار التقرير العجيب عاصفة من ردود الأفعال .. إذ جاء "إسرائيلياً وسياسياً" بامتياز..كما جاء مجحفا ومجافياً للحقيقة .. فضلاً عن خروجه على "القانون الدولي" ، والاجماع الدولي بـ"تجريم الحصار"..  بل الأخطر من ذلك أنه برر الجريمة الاسرائيلية بالادعاء بحق دولة الاغتصاب والاحتلال بمهاجمة السفن في المياه الدولية.. هابطاً بذلك إلى حضيض الاستهتار بدماء الأبرياء ..  .. فضلا عن أن التقرير انطوى على جملة من المفارقات منها :
1.  أوضح التقرير بأن أعضاء اللجنة لم يمتلكوا الحق بالحصول على شهادات، ولا الحق بطلب امتلاك وثائق، واكتفوا بالمعلومات التي حصلت عليها اللجنة من إسرائيل ومن تركيا"  لذلك فإنّ "خلاصات التقرير لا يمكن أن تُعَدّ نهائية من وجهة نظر القانون ولا الوقائع".
2.   تبنى الرواية الإسرائيلية.. بالإشارة إلى أن "معظم المشاركين في قافلة السفن لم تكن لديهم نوايا عدوانية باسثناء افراد منظمة ( (أي إتش إتش - (IHH   الذين خططوا لخوض مواجهة...  وهو ما تردده الدعاية الإسرائيلية من أن العملية كانت "عملية دفاع عن النفس اضطر الجنود لقتل تسعة من مشاغبي هذه المنظمة الذين شكلوا خطراً على حياة جنود جيش الدفاع الاسرائيلي.. !!
3.  اشتمل التقرير على العديد من الأحكام السياسية .. من أمثلتها بأن على " تركيا وإسرائيل استئناف علاقاتهما الدبلوماسية كاملة عبر إصلاح علاقاتهما لمصلحة الاستقرار في الشرق الأوسط".. و أن "أمن إسرائيل يواجه تهديداً حقيقياً من جانب المجموعات المقاتلة في غزة.. وعليه فإن الحصار البحري فرض باعتباره تدبيراً أمنياً مشروعاً بهدف منع إدخال الأسلحة إلى غزة عبر البحر، وتطبيقه يتماشى مع متطلبات القانون الدولي" .!!
4.   وضع إسرائيل فوق  القانون الدولي.. ولكنه عتب عليها لـ" استخدامها القوة المفرطة" .. وكأنه يشرعن لها استخدام القوة ضد الأبرياء على ألا تكون قوة مفرطة!!

أما ردود الأفعال على التقرير الأممي فقد جاءت أيضاً حافلة بالتناقضات منها :

1.  أن "دولة الاحتلال" لم تقبل يوماً بأي من القرارات  التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة ، ولكنها أعلنت على الفور قبولها بـ"تقرير لجنة بالمر" .. !!
2.    أن النظام العربي التزم الصمت المريب إزاء فتوى التقرير بشرعية "الحصار على قطاع غزَّة " في حين سارعت تركيا للتقدم بدعوى إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي للإعتراض على ما زعمه تقرير بالمر من قانونية الحصار الوحشي الذي يفرضه الكيان المغتصب على قطاع غزة .. !!
3.   إضافة إلى أن تركيا ارتأت بأن الوقت قد حان لتدفع "إسرائيل الثمن".. فأعلنت عن سلسلة من العقوبات على إسرائيل بدأتها  بطرد "السفير الصهيوني" وتعليق قائمة من الاتفاقات العسكرية التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات.. وأكدت رفضها للتقرير، وعدم اعترافها بشرعية الحصار الإسرائيلي على غزة ، وقررت التقدم  بدعوى قضائية أمام  "محكمة العدل الدولية"..  كما أعلنت عن تقديم الدعم للضحايا الأتراك والأجانب ليلتمسوا العدالة من المحاكم!! 
ولعل من الإجراءات الاستراتيجية المهمة يتجلى في الإعلان عن عزم تركيا على اتباع استراتيجيه أكثر تشددا في منطقه شرق البحر المتوسط .. بحيث لن  تستطيع "إسرائيل " مواصلة" البلطجة فى البحر المتوسط  لا من الجو ولا من البحر فسلاح البحرية التركى سيتولى تأمين الملاحة البحرية.. ولن يسمح لـ"إسرائيل" بعد اليوم بمد مياهها الاقليمية لعشرات الأميال خارج مياهها الاقليمية".. أو اعتبار البحر الأبيض المتوسط بحيرة " إسرائيلية"!!

هذا الموقف التركي الحازم برفض سياسة التعالي والإهانة الإسرائيلية.. جاء منحازاً  للكرامة الوطنية ولمصالح الدولة والأمة العليا..  موقف جدير بأن يقرأ جيداً وأن يتم استلهامه في التصدي لدولة الجريمة المنظمة بامتياز في هذه المنطقة من العالم .. والتصدي لكافة أشكال العربدة الصهيونية في البر والبحر والجو .. والذي كان "أسطول الحرية" مثالاً حياً عليها ..

فهل سيترك ثوار العرب - وهم يصنعون ربيعهم الزاهر-   "تركيا" تخوض منفردة معركة الأمة في "تأديب إسرائيل"؟؟  ..
eidehqanah@yahoo.com