السبت، 20 أغسطس 2011

الثورة السورية .. المواجهة والأسئلة الإشكالية

د. عيدة المطلق قناة

بات من الواضح للعيان أن مفردات الحالة السورية تتلخص بنظام – كغيره من أنظمة الاستبداد في المنطقة-  يدير البلاد وفق منهج أمني، أقام دولة أمنية حديدية .. وأدار البلاد بسلطوية مفرطة .. حتى تصدرت الدولة السورية قائمة الدول العربية التي تصادر الحريات وتنتهك حقوق الإنسان وتمنع الأحزاب السياسية المعارضة من التنظيم والعمل الشرعيين ، وتضيق على المجتمع المدني .. فكان من الطبيعي أن تؤدي مثل هذه الإدارة الحديدية وغياب الحرية إلى الاستبداد وسيطرة الفساد المالي  والإداري .. بل تعاظم في البطش و تكميم الأفواه.. والاستئثار بالسلطة والثروة والإعلام ... إلى أن نصب من ذات الحاكم "إلهاً" يعبد يسجد له ويسبح بحمده ..!!
وحين بدأت مؤشرات الاحتقان والتوتر الاجتماعي بالظهور .. تلقاها النظام باستعلاء واستصغار .. مما أدى إلى ارتفاع منسوب التوتر وتعاظم السخط واتسعت دائرة الناقمين .. وبدلا ًمن التوقف والتدبر والحكمة في المعالجة كان التحدي بالمضي في تهور متواصل.. وركوب حماقة الطغيان إلى مداه الأبعد .. حتى وصلت الأمور إلى ما هي عليه من حالة انحباس حاد..  ووضع سياسي متشنج ..

نحن اليوم أمام نظام يعاني من مركب حقد ثأري مرعب..  جعل عنوانه  الاستراتيجي " أنا أو الفوضى ".. وحتى يمنع الفوضى لا مانع لدية من بحار من الدماء .. ولا مانع من تنفيذ سلسلة من المجازر والإبادة الجماعية المنهجية .. دون تمييز - في القتل والاستهداف-  بين رجل وامرأة أو طفل.. و دون حرمة لشيء..  فلا حرمة لمسجد أو مستشفى .. ولا حرمة لبيت أو مدرسة ..  ولا مانع بين الفينة والأخرى-  ومن قبيل التنويع - من التسويف والمراوغة وشراء الوقت وإطلاق بعض وعود التنفيس .. ولو أدى ذلك إلى الوقوع المتكرر في حالة الانفصام بين معسول القول .. ووحشية السلوك .. !!

إن نظاماً يعاني من كل هذه التشوهات .. من الطبيعي أن تأتي ردود أفعاله وأقواله ومواقفه على ذات الشاكلة من التشوه والارتباك .. ومن هذه التشوهات نكتفي بالإشارات التالية :

1.  حين اعترف رأس النظام بـ"الأزمة".. قام بإطلاق وعود بالإصلاح وأعلن عن إصلاحات في مجالات محددة.. ولكنه كان يقدم هذه الإصلاحات باليمنى  .. لينتزعها - في الوقت نفسه - باليسرى .. فمثلاً :
·       حين أعلن رفع حالة الطوارئ؛  قام بعدها بتوجيه الجيش لاجتياح المدن السورية الواحدة تلو الأخرى..
·   وحين أعلن عن إطلاق سراح المعتقلين .. استتبعها بحركة اعتقالات واسعة النطاق حتى ضاقت السجون بعشرات الآلاف من الثوار..
·   وحين أعلن عن قانون الأحزاب السياسية.. ظل مصراً على الإبقاء على المادة الثامنة من الدستور التي تنصب "حزب البعث" قائداً للدولة والمجتمع ..
·   وحين أطلق الحوار مع المعارضة .. أصر على الإبقاء على قانون يحكم بالإعدام على منتسبي جماعة الإخوان المسلمين ..

وهكذا .. حتى فقد الشعب ثقته بكل وعود الإصلاح .. واعتبرها كاذبة هدفها التنفيس وشراء الوقت ..
2.   عندما اعترف النظام بالانتفاضة الشعبية ووصف مطالب المنتفضين  بـ" المحقة والمشروعة.. استتبع هذا الاعتراف بتنصنيف المنتفضين إلى ثلاث فئات هم : أصحاب الحاجات المعيشية .. وفئة العملاء والمخربين والمندسين الذين ينفذون أجندة خارجية لضرب النظام الممانع وهؤلاء ينتشرون على امتداد الأرض السورية يعيثون فيها فساداً (حتى  تجاوز عديدهم ال" 65 ألفا" .. وهؤلاء مزودون بأسلحة ثقيلة ومتطورة وسيارات دفع رباعي ووسائل اتصال حديثة) .. وفئة ثالثة هي الأصوليون والإرهابيون والتكفيريون ..
ويبدو أن الهدف من هذا التصنيف كان لتبرير كل ما تلاه من قمع وحشي واجتياحات عسكرية للمدن السورية الواحدة تلو الأخرى بالدبابات والمصفحات والمدرعات وكتائب القناصة والشبيحة .... وتبرير قيام الدبابات بفتح نيرانها على الجميع [ لا تستثني منهم أحداً .. حتى حافلات أطفال المدارس -  أطفال الرستن مثالاً- ]..
وفي مرحلة تصعيدية تالية بدأ النظام باستخدام الطائرات العمودية في قتل المتظاهرين! .. ثم تطور الأمر إلى حد استخدام البوارج البحرية لقصف المخيمات والأحياء والمدنيين..
إن هذه الاستهدافات تشير إلى أن النظام السوري اختار الحل العسكري في مواجهة الثورة .. والزج القسري بها نحو [ "النموذج القذافي" .. ولا أقول "الليبي"] !!" وذلك على الرغم من التأكيدات المتواصلة للثوار وتنسيقياتهم بعدم تكرار "التجربة القذافية" .. والتأكيد على تمسكهم بسلمية الثورة.. وتعهدهم بعدم رفع حجر بوجه النظام وآلته الحربية .. !!

3.  الإصرار على أداء إعلامي بائس .. إعلام إنكاري تبريري ما زال يصر على إلغاء الآخر و تجريم الاختلاف .. وتزييف الحقائق ..وتجميل النظام ... وتسويغ الممارسات .. والتغطية على الانتهاكات ..والمبالغة في تقدير فكرة "المؤامرة" .. إعلام حافل بالعناوين الملفقة .. إعلام تتدنى فيه لغةِ الحوارِ الى أدنى مستوياتها الأخلاقية .. !!

4.   تحريك الفتن تحت عناوين مختلفة ولعل من أخطرها اللعب على وتر الطائفية .. في حين أن النظام نفسه هو الذي عمل ويعمل وفق نظام المحاصصة الطائفية والمناطقية والإثنية في انتهاك صريح للدستور الذي يحرم هذه المحاصصة .. ولعل المشهد الإعلامي الرسمي، يحتشد بالطروحات المريبة التي يروج لها أنصار النظام والتي تدور حول الاستهداف الطائفي واتهام الأصوليين بما يجري في البلد !!

5.   الإصرار على أن ما يجري في سوريا من ثورة من أجل الحرية إنما هي بفعل تآمر خارجي يستهدف دور سوريا في الممانعة والمقاومة .. ويستهدف تقسيم البلاد وتفكيك وحدتها ..
صحيح أن سوريا- وكل الأمة - تتعرض بالفعل لمؤامرة دولية حقيقية - ولكن ربط هذا التآمر بالانتفاضة الشعبية.. ما هو إلا محاولة بائسة لتشويه هذه الثورة المباركة ..
ولو سلمنا جدلاً بدور النظام السوري الممانع والمقاوم .. فإن هذا التسليم يستببع تساؤلات إشكالية منها :
·       أي معركة تحرير يمكن أن يخوضها نظام يقتل شعبه بكل وحشية ؟؟ 
·   وهل يستطيع هذا النظام أن يخوض بشعب جله من المندسين والعملاء والسلفيين والعصابات المسلحة والمخربين والمتآمرين معركته التحريرية ؟؟ 
·    وكيف لشعب تم تجريده من جميع عناصر إنسانيته و كرامته - وبشكل منهجي منظم - أن يخوض معركة تحرير الوطن ؟؟ وعن أي وطن يمكن أن يدافع مثل هذا الشعب ؟؟ 

eidehqanah@yahoo.com

محاكمة مبارك .. إشكاليات وعبر

محاكمة مبارك .. إشكاليات وعبر
د. عيدة المطلق قناة
ثلاثة عقود من الظلم والقهر .. والفساد والإفساد والذكريات المريرة انتهت بثورة شعبية وطنية دون منازع .. وثورة خلاقة بلا جدال.. وها وقت الحساب قد حان .. وهاهم ثوار مصر – وحدهم وبدون إملاءات أو تدخل خارجي - يحاكمون الرجل ونظامه أمام محكمة جنائية مدنية بتهم قتل وفساد وتربح واستغلال النفوذ ؛ فيدشنون بهذه المحاكمة سفراً جديداً في التاريخ المعاصر ..
محاكمة نظام مبارك تاريخية بكل المقاييس ولكنها رغم ذلك استثارت الكثير من الجدل وردود الأفعال وطرحت العديد من الإشكاليات منها:
1.    إشكالية حصر الاتهامات الموجهة لمبارك بثلاث هي : قتل المتظاهرين ، والتربّح وصفقة الغاز .. مما يثير المخاوف من أن تتجاوز المحاكمة عن جرائم حقبة امتدت لأربعة عقود لا ثلاث ارتكبت فيها ألوانا متعددة من الجرائم الأخلاقية والسياسية بما فيها الخيانة العظمي  التي تبدأ بخيانة مبادىء الجمهورية بالسعي لتوريث الحكم لنجله... مروراً بالتفريط بحقوق الشعب المصري وهدر مقدرات الوطن والأمة ... والزج بمصر في مؤامرة ضد العراق وتقديم كل التسهيلات لاحتلاله وقتل ملايين العراقيين مقابل حفنة من دولارات السحت أودعت في حساباته وحسابات أبنائه ... ناهيك عما قدمه نظام مبارك " للكيان الصهيوني " من أربعة عقود من الاستقرار، حين جعل أمن الإسرائيليين  مقدماً على أمن المصريين بل أمن الأمة بأسرها.. ناهيك عن تواطئه الخياني بحصار غزة والحرب عليها .. وفي هذا السياق نستذكر بالخزي صداقة مبارك الحميمة مع "بنيامين بن اليعازر"( لمسئول عن "قتل الأسرى المصريين خلال حرب 1967) ..
كما أن في حصر تهمة القتل بـ"قتل المتظاهرين في ثورة الخامس والعشرين من يناير" قفز عن تاريخ من القتل والعنف والتعذيب الممنهج وحملات الإبادة المنظمة التي كانت تتم داخل السجون وخارجها وأثناء حفلات التعذيب الممنهج والمنظم ..
وقد كشف الدكتور (رفعت سيد أحمد) بتاريخ ( 6/8/2011) بأن "مركز يافا للدراسات قام بإعداد ملف شامل لجرائم مبارك الداخلية ( سياسياً واقتصادياً واجتماعيا وثقافيا) وصلت 200 جريمة موثقة..  أما الجرائم الخارجية فوصلت (150 جريمة موئقة)..  وأن المركز على استعداد لتقديمها لهيئة من المحامين الوطنيين ليتم محاكمة هذا الطاغية على أساسها من جديد."
وفي ذات السياق أكد (سيد أمين) "منسق عام الحملة الوطنية لتوثيق جرائم مبارك " بأن "الحملة تقدمت حتى الان بنحو عشرين بلاغا للنائب العام ضد "المخلوع" وأركان نظامه .. تنوعت التهم فيها بين الخيانة العظمى والجاسوسية لصالح اسرائيل والقتل العمد وتزعم تشكيل عصابى والرشوة والفساد"..!!
في حين يطالب الدكتور "عماد جاد" (الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام)  بالتحقيق فى المعلومات التى نشرتها الصحافة الاسرائيلية مؤخرا بحصول شخصيات سياسية إسرائيلية على مرتبات شهرية من الحكومة المصرية نظير الدفاع عن نظام مبارك في الكونجرس الأمريكي ، وذكر اسم بنيامن بن أليعازر تحديدا... كما طالب بالتحقيق فى أنباء وصول شحنات من أدوات " مكافحة الشغب" إلى مصر قادمة من إسرائيل من بينها قنابل مسيلة للدموع وهراوات كهربائية وغيرها استخدمت فى قمع المتظاهرين فى ثورة يناير 2011 .

أما منظمة (هيومن رايتس ووتش) فقد كشفت عن قيامها بتوثيق عدد من الجرائم التى ارتكبتها وزارة الداخلية أثناء فترة حكم مبارك التي دامت 30 عاماً، وفى مقدمتها جرائم التعذيب والمعاملة السيئة التى استخدمت فى ظل الإفلات من العقاب تحت حكم الطوارئ.

2.   إشكالية التلاعب بالعواطف سواء من قبل المتهمين أو من  قبل محامي الدفاع عنهم .. فإن كان من المقبول أن يكون للنظام من يواليه ويتعاطف معه ، إلا أنه ليس من المقبول أن يؤدي هذا التعاطف إلى التجاوز على حقوق آلاف الضحايا الذين تمت تصفيتهم بدم بارد طيلة عقود النظام.. وليس من المقبول كذلك أن تؤدي عمليات التلاعب العاطفي إلى الانحراف بمسار العدالة .. بما يؤدي للإفلات من العقاب ..

3.   إشكالية التهديد والابتزاز ..
لقد نشرت "شبكة شباب التحرير يوم الجمعة 5/8/2011 ، بأن " اللواء محمد العصار" كشف عن أن  المجلس العسكرى الأعلى للقوات المسلحة يدرس طلب تقدم به مبارك للمجلس العسكرى يطلب فيه القاء كلمة للشعب المصرى من قفصه فى الجلسة القادمة لمحاكمته  .. وتقول الشبكة بأن مبارك ينوى إلقاء خطاب الصفح من الشعب المصرى عن "الأخطاء" التى حصلت فى حكمه وسيطلب منهم تذكر "محاسن حكمه" للحيلولة دون محاكمته .. !!
وفي جانب الابتزاز أيضاً ذكرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية بأن مبارك "سيفضح كثيرين في المحكمة ويسقطهم معه بالكشف عما تورطوا فيه والجرائم ستطال كثيرين جداً ابعد مما يتخيل الكثيرون" .. ناهيك عن التهديد الذي أطلقته سوزان مبارك بأنها ستكشف عن تسجيلات لفضائح جنسية لشخصيات مصرية وعربية إذ ما تمت محاكمة مبارك !!
إننا أمام نظام طاغوتي نظام أهان شعب مصر العظيم بما أدى إلى هوان الأمة بأسرها على كل أمم الأرض  .. وأشاع الفساد والإفساد وانهيار منظومات القيم .. وأطاح بمكانة مصر ودورها الإقليمي والدولي.. إلا أن وقوفه اليوم في قفص الاتهام يؤكد جملة من الحقائق الموضوعية لعل منها :
·       أن الحكم إن دام في واحد فسد،
·       وأن تحالف السلطة ورأس المال مفسدة وأي مفسدة ،
·        وأن الفساد السياسى هو أصل الداء، وأى إصلاح قبل هذا سيذهب هباء ،
·        وأن المساواة امام القانون هي من أهم ركائز العدالة  
هذا بالإضافة إلى أن في محاكمة نظام مبارك لعبراً من أهمها  :
·       أن دوام الحال من المحال ففي لحظة الحقيقة يظهر الطغاة على طبيعتهم  بلا حول ولا قوة – ولا ألقاب .. ولا امتيازات ..
·       وأن التصدي للاستبداد يتطلب الكثير من التضحيات .. فقبل ما يزيد عن قرن من الزمان.. أدرك "عبد الرحمن الكواكبي" خطورة هذا المركب .. كما أدرك بأن كتابه حول "طبائع الاستبداد" سيقوده إلى حتفه، ولكنه تدارك ذلك بوصف كتابه بأنه "كلمة حق فى وادٍ إن ذهبت اليوم مع الريح، فقد تذهب غداً بالأوتاد" !!
·       وأن أي مجتمع قوي قادر على كبح جماح حكامه ونزواتهم، قوامه مؤسسات ديمقراطية منتخبة تمارس حقها في المشاركة والمساءلة.
·       وأن الحسم في هذا الصراع التاريخي الحضاري مع الاستبداد هو للشعوب مهماً بلغت التضحيات .. { وتلك الايام نداولها بين الناس }
eidehqanah@yahoo.com