الخميس، 21 يوليو 2011

موقعة ساحة النخيل.. حالة للتدبر

موقعة ساحة النخيل.. حالة للتدبر
د. عيدة المطلق قناة

يبدو أن التعاطي العنفي مع الاحتجاجات السلمية أصبح سمة عربية بامتياز .. والأردن في هذا المحيط العربي - الزاهر بالقمع والبلطجة-  ليس استثناء .. فما أسرع أن تتحول ميادين الوطن إلى ساحات معارك حامية الوطيس ..كتائبها البلطجية وأسلحتها السيوف والحجارة والعصي والهراوات وأخشاب البناء وأخيرا دخل سلاح "أسياخ الشواء" للخدمة ..
إن مجريات "موقعة ساحة النخيل " في عمان ..  ليست معزولة عن سابقاتها .. وللتوضيح  نكتفي بالإشارة إلى عينة من مجريات الشهور الست الماضية .. نستلها من هذا السجل الأسود الذي يزداد انتفاخاً مع الأيام !!
·   في يوم 18/2/2011 .. تم استخدام " البلطجية" في مواجهة مسيرة المسجد الحسيني في وسط عمان .. وأسفرت المواجهة – غير المتكافئة عن عشرات الإصابات .. !!
·   وفي 25 آذار 2011م ارتكب البلاطجة مجزرة دوار الداخلية.. التي أسفرت عن استشهاد احد المواطنين وإصابة العشرات .. !!
·    وفي يومي الجمعة والسبت 15 – 16 أيار 2011م .. تطورت المواجهات مع المحتجين بإطلاق الرصاص الحي "في مواجهة مسيرة العودة" قرب نصب الجندي المجهول في منطقة الكرامة بالأغوار مما تسبب في إصابة عشرات المواطنين.. وتعرض الصحفيون لكم كبير من الاعتداءات اللفظية  والجسدية والمادية .. شملت الضرب والشتم وتكسير السيارات والمعدات.. ومصادرة الكاميرات والأشرطة التي توثق ما حدث من اعتداء قوات الحكومة على المواطنين!!!
·     وفي يوم 15/7/2011 :  كانت "موقعة ساحة النخيل" ..التي  "جيشت" لها الحكومة وأجهزتها الأمنية مسيرة مضادة ..  جاءت ترقص بالسيوف والعصي وما تم إدخاله من أسلحة لكتيبة البلطجية .. وتهتف " يا ابو حسين لا تهتم احنا شرابين الدم " .. !!!  .. فقامت هذه "الكتائب" بالاعتداء "غير المبرر" بالضرب واللكم والشتم والتكسير على المتظاهرين والصحفيين على السواء !!   

تلك هي عينة من وقائع القمع الذي يمارس في الأردن .. وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى ما أخذ يصاحب هذه الوقائع من "بلطجة إلكترونية" تتساوق مع حملة القمع.. لقد تعرضت مواقع العديد من الحركات الإصلاحية ومواقع الناشطين في هذا الحراك  للقرصنة .. من أمثلتها : قرصنة مواقع كل من : اللجنة المركزية للمتقاعدين العسكريين  .. وموقع سرايا الإخباري .. وموقع "تجمع الطلبة الاحرار" وغيرها .. إلى جانب قرصنة صفحات الحراكات الشبابية الإصلاحية على مواقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك والتوتير)!!

وحتى تستكمل الصورة تجدر ملاحظة ما يكتنف هذه الأجواء المقلقة من مقدمات وإجراءات منها على سبيل المثال:
1.  التجييش الإعلامي غير المسبوق ، ضد الحراك الإصلاحي بعامة والحركة الإسلامية بخاصة .. وما يجري على ضفافه من تخوين وتشكيك.. !!..
2.  التعبئة والاستنفار الأمني ضد الحراك الاحتجاجي .. حتى أن السلطات دفعت إلى "ساحة النخيل" – في عمان ..  بأعداد تزيد عن ألف رجل من مختلف الأجهزة الأمنية للتعامل مع المعتصمين والصحفيين على السواء..
3.   الوعيد والتهديد الاستباقي .. فقد توعدت الحكومة - على لسان رئيسها- والناطقين باسمها – وشبيحتها وبلطجيتها - بمنع اعتصام "ساحة النخيل" ..  ونفذت وعيدها بالطريقة – المخجلة - التي شاهدها العالم..  والتي أسفرت عن عشرات الإصابات بين صفوف المتظاهرين والصحفيين وحتى رجال الأمن!!
4.  الاستهداف الممنهج للصحفيين والإعلاميين .. فقد تزايدت - وبشكل ملحوظ وموثق عمليات استهداف للصحفيين..   ومن المؤسف-  أن يصل الأمر  حد استخدام "الخداع"  حين قام المكتب الإعلامي بمديرية الأمن العام  بالتنسيق مع نقابة الصحفيين ومركز حماية الصحفيين بتوزيع سترات تميز الصحفيين .. لتصبح أداة  لتمييزهم ليتم استهدافهم لا حمايتهم !!
5.  بعد كل موقعة  يجري تحميل الصحفيين والمتظاهرين مسؤولية تعرضهم للاعتداء .. وحين تتسرب بعض الوقائع وتنكشف بشاعة تفاصيلها وحيثياتها تسارع الأجهزة الحكومية " للاعتذار" ،  والإعلان عن تشكيل لجنة للتحقيق بما جرى تنصلا من المسؤولية .. وذراً للرماد .. ولكن حتى تاريخه لم تسفر كل لجان التحقيق الحكومية عن شيء ولم يقدم أحد إلى القضاء .. وما زالت كل القضايا مسجلة ضد مجهول !!!
6.    إن الاعتداءات الحكومية المتكررة على المتظاهرين والصحفيين على السواء باتت تتسم بالبلطجة .. وهذه البلطجة آخذة بالتنوع والاتساع كما ونوعاً..

إن هذه الوقائع  - وهي بالمناسبة عينة مما يجري - تدحض مزاعم الإصلاح .. بل تعزز المخاوف التي تثار بين حين وآخر .. والتي تتلخص  باليأس من الإصلاح .. مع حكومات جعلت من "القمع وتأزيم الشارع" نهجاً لا حيدة عنه.. فإن صحت هذه المخاوف .. فإننا أمام نهج مرفوض لأنه خطير وغير مسؤول وله العديد من المحاذير!!
ففي سياق هذا النهج  يتم "تقييد الحريات وتكميم الأفواه وربما قطع الألسنة".. ويقطع "الطريق السلمي" على قوى "الإصلاح".. ويضع البلاد والعباد على كف "عفريت فتنوي" لا ندري متى ينفجر.. فضلا عن أنه يدفع بالأوضاع نحو الارتكاس في عهود الظلام مرة أخرى... – لا قدر الله -  !! ولعله من الضروري أن نضع في الحسبان أن "شدة الضغط تولد الانفجار"  - وهو ما لا نريده بل من الواجب احتواؤه بإيجابية ورشد!!  متديرين قول الله تعالى [وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا ‏مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (الأنفال - 25) ] ( صدق الله العظيم).

eidehqanah@yahoo.com

الثلاثاء، 12 يوليو 2011

الثورات العربية .. وإشكالية المواقف النخبوية

د. عيدة المطلق قناة

الأوضاع العربية تكاد تكون متشابهة .. فجل العرب يعانون من بطالة  قياسية ، ومن فقر يزداد اتساعاً وعمقاً .. وتآكل للطبقة الوسطى، وتدهور للقدرة الشرائية .. واقتصادات ينخرها الفساد وتثقلها المديونيات العالية ..وجلهم يعانون من أنظمة استبدادية بوليسية ..  لا تحترم الإرادة الشعبية ولا تؤمن بتداول السلطة .. وجل العرب يعانون من عدم استقرار تشريعي ..ومن تغييب لدولة القانون والمؤسسات .. فالانتخابات مزورة  والدساتير عرضة للتلاعب والتغيير وفق المصالح والأهواء !!

لقد سامت الأنظمة شعوب أمتنا سوء العذاب ؛ حتى باتت تمتلك خبرات تراكمية في القمع المنهجي المتكامل الذي ربما يبدأ بالغاز المسيل للدموع .. ليتحول وبسرعة قياسية إلى الرصاص الحي وإلى أشكال غير مسبوقة من العنف الدموي قتلاً وذبحاً وتنكيلا حتى الموت وتشويهاً للأجساد وصولاً إلى الرقص والعربدة فوقها .. إذ لا مانع لدى هذه الأنظمة - في سبيل حماية "الثورة -  من حملات تطهيرية استئصالية متلاحقة .. تشيب الولدان أمام النزر القليل الذي رشح من حيثياتها .. حتى لو اقتضى الأمر تدمير المدن واستباحة حتى مساجدها وكنائسها ومواقعها الأثرية .. فمن لا يقف مع الثورة هو بالضرورة في صفوف أعدائها.. !!

لقد حولت هذه الأنظمة جيوشنا الوطنية إلى قوات احتلال تغزو وتجتاج المدن وتنكل بمواطنيها .. وتبدل أمنهم خوفاً .. واستقرارهم تشرداً ولجوءا .. وبيوتهم الآمنة المستقرة إلى مخيمات تعصف بها الرياح .. جيوش جعلت خيارات الشعوب محددة بين مقابر جماعية .. ومخيمات النزوح في الجبال والصحاري ..  !!

فلا غرابة والحال هذه– بعد أن وصل الاستبداد مداه - أن ترتفع حرارة الشارع العربي حتى درجة الغليان .. ولا غرابة أن تخرج الملايين للمطالبة بإسقاط أنظمتها .. ولا غرابة من ارتفاع وتيرة وكثافة الزخم الاحتجاجي وانتشاره واتساع نطاقه يوماً بعد يوم ..  !!

ولكن هذه الأنظمة بعد أن تجرف الجثث والدماء شرعيتها..  تحاول بكل ما بوسعها من أدوات وأوهام القوة .. بأن تتجمل وترمم صورتها بالدعوة لحوارات وهمية .. إذ تحدد السلطة شروط هذه الحوارات  وجداول أعمالها ووثائقها وشخوصها والناطقين باسمها وأدواتها الإعلامية.. فهي تدعو للحوار في نفس الوقت الذي تتواصل فيه عملياتها القمعية وتقوم أجهزتها الأمنية والعسكرية بغزو المدن وحصارها ..وتنفيذ حملات مكثفة من الاعتقال والقنص والقتل والتنكيل!!

ولا ندري كيف يستوي الحوار مع أنظمة تقتل وتغتصب وتنكل بالجثث ؟؟ وكيف يمكن للشارع أن يثق بمخرجات هكذا "حوار" يدار تحت أسنة الحراب وجنازير الدبابات وعربدة الشبيحة والبلطجية...؟؟

أمام هذه المشهد الحافل بالتناقضات..بات من الطبيعي أن تفقد أدوات السلطة القمعية فعاليتها وأن تفشل في إعادة عقارب الزمن إلى الوراء وإعادة المارد إلى قمقمه ثانية .. فالأنظمة لم تعد  قادرة على السيطرة وضبط إيقاع الشارع!!

ورغم كل مافي هذا المشهد من إشكاليات وحيثيات قاسية .. إلا أن الإشكالية - التي تبدو عصية على الفهم - تكمن في ردود الأفعال والمواقف المتضاربة التي تصدر عن بعض النخب..!!

بعض هذه النخب أخذت تدافع عن الأنظمة وتشرعن ممارساتها وتروج لمزاعمها وترهاتها .. وتتبنى روايتها خاصة في اتهام الإعلام والفضائيات بأنها "تأتينا بأنصاف الحقائق"  وتفبرك الروايات لان هدفها إسقاط " الأنظمة الثورية الممانعة"   تلبية للرغبة الأمريكية.!!

 وبعضها أخذ يتهم الثورات العربية – وخاصة الثورة السورية – بأنها مفتعلة، يقودها "الزعران والحشاشون " .. !!

 وبعضها تكرم بالاعتراف بجزء من الحقيقة – بأن هناك متظاهرين "سوريين"  خرجوا مطالبين  بـ"حقوق مشروعة ومحقة "..  ولكن هذه النخب تجزم بأن "أياد خفية" تسللت بينهم .. لإثارة الفوضى وإسقاط الدور القومي لـ"سوريا" ..

في حين بلغت جرأة بعض النخب حد اعتبار ثورات عربية بعينها بأنها "صناعة امبريالية" .. تهدف إلى إجهاض أنظمة الممانعة والمقاومة والصمود .. وكأن التغيير في هذه الأنظمة  إن حصل فسوف يؤدي إلى تصفية المقاومة !!.. علماً بأن - هذه النخب على تعددها – لم تقدم لنا تفسيراً لتصريحات أحد بعض رموز النظامين الليبي والسوري للصحف الأمريكية والبريطانية ومفادها أن "استقرار إسرائيل هو في استقرار هذه الأنظمة " !!

ونتساءل : هل بلغ الاستزلام  إلى درجة أن تقوم هذه النخب بتجنيد نفسها للعبث بالذاكرة العامة والتشويش على مسار الوعي الشعبي وشن حرب نفسية ضد ثوار هذه الأمة لإجهاض الثورة والقطع بين الثوار والشارع عبر  إطلاق موجات متواصلة من حملات التشكيك والتخوين ؟؟ 


فحين تتم إحاطة كل فعل ثوري بشبهات الخيانة والعمالة .. وحين يتم الترويج لهذه الشبهات بالتخويف من أخطار تختبئ في عباءة هذه الثورات وأقلها الفوضى والحرب الأهلية أو التقسيم والتفكيك .. وحين تختلط المفاهيم .. وتتحول الثورة لتصبح تمرّداً، والحرية فوضى، والوحدة طائفية أو عرقية أو جهوية .. عندها تبدأ منابع الثورة الشعبية بالانحسار .. فتضعف الثورة وتعود الشعوب إلى حالة السبات القهري مرة أخرى !!

·        فأي منطق هذا الذي تروج له هذه النخب ؟؟
·         وهل المقاومة والصمود والممانعة صناعة الأنظمة؟؟
·   أو ليست المقاومة صناعة الشعوب الحرة الكريمة التي تمتلك أقدراها وخياراتها ؟؟ أو ليست الشعوب هي سدى المقاومة ولحمتها وخزانها البشري والمادي والاستراتيجي؟؟..
·        أم أن إيصال الثورات العربية إلى حالة العقم هو هدف بحد ذاته تعمل عليه بعض هذه النخب – هداها الله - ؟

eidehqanah@yahoo.com

الثلاثاء، 5 يوليو 2011

التغيير الحكومي .. إصلاح أم تحد للاستقرار

د. عيدة المطلق قناة

منذ هبة نيسان عام 1989 أخذ الأردن يشهد مجموعه من التغييرات والتحولات السياسية شكل بعضها مداً ديمقراطياً ، كما شكلت الانتكاسات والتراجعات ضمن هذه التحولات جزراً لنفس المد الديمقراطي  .. ومنذ ذلك الحين شهد الأردن حالة من عدم الاستقرار انعكست في سرعة تبدل وتغير الحكومات والوزراء .. حتى أصبحنا أمام ظاهرة الحكومات سريعة الذوبان .. ولعل  آخر تجليات هذه الظاهرة كان في تشكيل حكومة معروف البخيت الثانية.. فالحكومة التي جاءت تحت عنوان الإصلاح لم تظهر أي قدرة أو استعداد للشروع بأي خطوة إصلاحية –بل أدخلت البلاد – قبل أن تكمل شهرها السادس -  في أزمات سياسية متلاحقة (كان منها: أزمة تورط مسؤولين بتهريب خالد شاهين.. وأزمة التعاطي الأمني الخشن مع اعتصام شباب الرابع عشر من آذار، وأزمة ملفات الفساد وملاحقة رموزها.. وأزمة الكازينو .. وغيرها )  .. ولعل أحدث هذه الأزمات تجلى في التوتر العام الذي نشأ عن التصويت النيابي على "التقرير النيابي الخاص بملف الكازينو" .. لقد أثارت مخرجات تلك الجلسة الكثير من الجدل لما اكتنف إجراءاتها من شبهات وفي مقدمتها شبهة المخالفات الدستورية ( بشهادة الفقيه الدستوري الأردني د. محمد الحموري) ..

إن ما جرى في تلك الجلسة وما أسفر عنه التصويت من تبرئة بعض الرموز في هذه القضية واتهام بعضهم الآخر .. وما استتبعه من تعديل وزاري أثار أزمة ما تزال تتفاعل وسوف تتصاعد بحسب كثير من المؤشرات .. كما أعاد طرح العديد من الأسئلة المتعلقة بإشكالية الإصلاح وملفات الفساد ..فضلا ًعن طرح "الأسس والمعايير التي تتشكل أو تتعدل بموجبها الحكومات في الأردن" !!

فالحكومات الأردنية باتت تأتي وتذهب .. تتبدل وتتعدل ، ويثور لغط كثير حول أسباب مجيء فلان وذهاب علان .. دون أن نعرف لماذا ؟؟  فعلى سبيل المثال:
·   لم نسمع أن وزيراً من المغادرين – على حين غرة - قد خضع للمحاسبة .. أو أن وزيراً ما  أقيل بناء على محاسبة .. أو أن سلطة تحقيق ما قد أعلمت الرأي العام بحيثيات الأسباب أو العوامل التي تم على أساسها قرار إعفاء رئيس أو وزير.. أو مسؤول ؟؟
·   بعض الوزراء تم إعفاؤهم ولم يمض على وجودهم سوى بضعة أشهر، مما يعني أن هناك تقييماً قد جرى لأدائهم ، فكان القرار بإعفائهم من المنصب الوزاري فقط ، دون أن تتم مساءلتهم عن تداعيات هذا الأداء؟؟
·   لم يسبق لنا أن عرفنا أو فهمنا السبب في "إعادة تدوير" بعض الأسماء ..إذ يتنقل بعض الوزراء والمسؤولين من موقع إلى آخر ومن مهمة إلى أخرى.. بعد أن تكون الإشاعات قد تناولتهم .. بنفس المقدار والاتجاه الذي تناولت فيه من تم إعفاؤهم من نظرائهم وزملائهم ؟؟

في غمرة الصخب الإصلاحي جرى التعديل الأخير على "حكومة الأزمات والتأزيم" دون أن نجد لأي من هذه التساؤلات إجابة .. بل بالعكس فقد أريد بهذا التعديل أن يكون بمثابة تدخل جراحي تجميلي عاجل  لاحتواء الاحتجاج الشعبي الذي ساهمت الممارسات ( النيابية والحكومية) في تصعيده .. وفي تأجيج حالة الغضب والرفض والاحتقان في الشارع الأردني... فإلى متى تستمر سياسة تغيير الرؤوس دون أن يطال التغيير النهج والعقول والإرادات؟؟

إن خيبة الأمل التي أصابت الشارع الأردني من الزحف السلحفائي للحكومة ومن تلكؤها المقصود في عملية الإصلاح .. لا يمكن معالجتها بتعديلات حكومية ترقيعية .. فوعود الإصلاح لم تلق من يصدقها في الشارع الأردني .. خاصة وأن الإصلاح الحكومي جاء في حزمة من  التشريعات الإعلامية المقيدة للحريات .. التي يراد بها الارتداد على شروط التحول الديمقراطي وعلى منجزات الحراك الشعبي الأردني ..

لقد فقد الأردنيون الثقة بالحكومة بعد أن تأكدوا من قلة حيلتها وضعف مصداقيتها وإسرافها بالوعود الإصلاحية الإعلامية !! وهم يرون أن دورها قد انحصر في الاستخفاف بعقول الناس والرهان على استنزاف القوى الشعبية الحية التي تصر على الوصول إلى إصلاح وتغيير حقيقي وشامل..!!

لقد ساهم السلوك النيابي المرتبك وغير المقنع - خاصة في مسرحية الكازينو-  في تعميق حالة الاحتقان في الشارع الأردني  .. أما السلوك الحكومي والإجراءات الإلتفافية فقد ساهم في تعميق الفجوة بين السلطة السياسية والشعب وقواه المنادية بالإصلاح  .. كما أدى إلى استنزاف مصداقية الحكومة ؛ وجعل ملف الإصلاح في مهب الريح ..

الأردنيون يتطلعون إلى نهضة سياسية حقيقية تتحقق عبر مسيرة إصلاحية حقيقية شاملة ومتكاملة - باتت مفرداتها معروفة للكافة-  أما سقوف هذه المسيرة فمرهونة بدرجة المصداقية وبسرعة الإنجاز ...  وبغير منجزات ملموسة يصبح الاستقرار السياسي برمته في عين العاصفة... !!

eidehqanah@yahoo.com

الأحد، 3 يوليو 2011

حين يصبح الإختفاء القسري ممارسة منهجية للحكم

حين يصبح الإختفاء القسري ممارسة منهجية للحكم
د. عيدة المطلق قناة

يعتبر "الاختفاء القسري" جريمة "مركبة" لأنها تعصف بمجموعة متكاملة من الحقوق .. وقد التصقت هذه الجريمة بالأنظمة الديكتاتورية، وخصوصا العسكرية منها.. حيث تتسم هذه الأنظمة بسمات مشتركة منها :
·       الاستفراد بالسلطة؛
·       قوانين استثنائية وقوانين طوارئ 
·       تجاهل القوانين الوطنية وعدم الأخذ بالمواثيق الدولية،
·       حلول الأجهزة الأمنية محل الأجهزة القضائية في المحاسبة  
·       ممارسات طائفية/ إثنية / مناطقية تمييزية
·       قمع منظم يشتمل على الاختطاف والاعتقال والاختفاء و التعذيب والموت تحت التعذيب.

ويبدو أن النظامين السوري والليبي قد سجلا أعلى المعدلات في العالم العربي في ممارسة هذه الجريمة.. ففي الحالة السورية بات يشكل "الاختفاء والإخفاء القسري" كارثة وطنية مزمنة ومستمرة؛ ضحاياها بالآلاف، وآثارها المباشرة تمتد لتشمل ما يتجاوز مليون مواطن سوري ممن جردوا من حقوقهم السياسية، وأكثر حقوقهم المدنية، فضلاً عن التدمير النفسي والاجتماعي والاقتصادي، وما تعرض له ذوو المفقودين من ابتزاز المخبرين والمرتزقة..على مدى أكثر من أربعين عاماً.. مما جعلها حالة مأساوية وطنية يتداخل فيها الجانب الإنساني مع الحقوقي والسياسي..!!

فإنه استناداً إلى المرسوم التشريعي ( رقم 51/ تاريخ 22/11/1962 ) المسمى بقانون حالة الطوارئ.. اعتقلت أجهزة الأمن - خلال ما تعارف عليها بـ"سنوات الخوف" - ما يزيد عن مائة ألف سجين، (منهم المئات من اللبناينين والأردنيين والفلسطينيين) .. وقد صدرت "مراسيم اشتراعية رئاسية" بإنشاء المحاكم العسكرية الشكلية ..  وتمت إحالة جميع المعتقلين السياسيين عليها، حيث جرى تصفيتهم بشكل إعدامات جماعية منظمة خلال سنوات طويلة روى فظائعها الناجون منها والذين قضوا في الغالب أكثر من عشر سنوات.. [ علماً بأن وزير الدفاع- رئيس المحاكم العسكرية "مصطفى طلاس" قد وقع على كل الإعدامات التي كانت تتم بموجب محاكمات صورية بين الأعوام 1980-1989.. وقد اعترف بذلك في مقابلة  مع مجلة دير شبيغل الألمانية عام 2005]!

لقد وثقت عشرات "التقارير والدراسات " ( التي أعدتها منظمات حقوقية وطنية ودولية) تعرض ذوي المختفين لصنوف قاسية من المعاناة .. كما وثقت لكثير من حالات التفكك الأسري، وحرمان الأطفال من التعليم وانخراطهم في "عمالة الأطفال" .. بكل ما يستجره هذا النوع من العمل من ويلات انسانية واجتماعية على الطفل والأسرة والمجتمع!!

وفي الاونة الأخيرة - ورغم الإعلان عن وقف العمل بقانون الطوارئ - إلا أن الآلاف من المواطنين السوريين – بما فيهم المئات من الأطفال - تعرضوا وما زالوا يتعرضون - على يد الأجهزة الأمنية و" الشبيحة"-  للخطف والاعتقال وللضغوط النفسية والجسدية مع عدة أساليب من التعذيب الوحشي الحاطة بالكرامة الإنسانية، و "الاخفاء القسري".. وقد وثقت "المنظمات السورية لحقوق الإنسان"، بأن عدد الاعتقالات التعسفية التي يتم تنفيذها يومياً، منذ انتشار القوات المسلحة والأمن في عدد من المدن، يصل إلى 500 عملية .. مما يجعل الحصيلة عدة آلاف من الأشخاص المعتقلين... الأمر الذي تسبب في شيوع حالة من الذعر دفعت بالآلاف من السوريين إلى الهرب من جحيم انتقام خبروه طويلاً طيلة "سنوات الخوف"!! مما يؤكد ما قاله رئيس وزراء تركيا "رجب أردوغان" بأن من يقوم بأعمال العنف في سوريا هم "قوات خاصة" تعودوا خلال السنوات الماضية على نمط معين بالتعامل مع السوريين " !!

ومن اللافت أن "الدستور السوري الدائم لعام "1973 " ينص في المادة 25 على أن: " الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم.. وأن سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة " ... أما المادة (28 ) فنصت على أنه " لا يجوز تحري أحد أو توقيفه إلا وفقا للقانون... ولا يجوز تعذيب أحد جسديا أو معنويا أو معاملته معاملة مهينة ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك... كما أن " حق التقاضي وسلوك سبيل الطعن والدفاع أمام القضاء مصون بالقانون " ..!!

كما تجدر الإشارة إلى أن "الحكومة السورية" صادقت على منظومة المواثيق والإعلانات الدولية بخصوص حماية الأشخاص من "الاختفاء القسري".. وكلها تجمع على تعريف هذه الجريمة بأنها "اعتداء على الكرامة الانسانية.. وانتهاك جسيم لحقوق الانسان وحرياته الاساسية المعلنة في الاعلان العالمي للحقوق الانسان... كما تؤكد  عدم جواز "التذرع بأي ظرف استثنائي أو خاص" لممارسة هذه الجريمة  ، فضلاً عن شمولية المسئولية الجنائية لكل من له علاقة آمرا أو مأمورا، مشاركا أو عالما بالأمر.. فهي جريمة مستمرة باستمرار الاختفاء القسري؛ ومستثناة من مبدأ سقوط التهمة بالتقادم القانوني عليها.. وبذلك فإن "الجناة" لا يستفيدون من أي قانون عفو عام أو خاص. !!

إلا أنه واقع الحال السوري يتناقض تماماً مع هذه النصوص والإلتزامات .. فما يشهده العالم  - بالصوت والصورة – من "ممارسات  منهجية " للاختفاء القسري والسحق والتخويف وإرهاب المواطنين، وقتل الأطفال والناشطين السياسيين ومحركي الشارع والتمثيل البشع في جثثهم بطريقة همجية مرعبة..  يشير إلى  فظائع غريبة وغير معتادة في أي نظام حكم.. كما  يفتح وبقوة ملف [الإبادات الجماعية ومجازر السجون والمدن في "سنوات الخوف"حين قررت "السلطة السورية" ممارسة الحكم خارج دولة القانون و الديمقراطية و احترام حقوق الإنسان].. بل يكفي لإدانة النظام السوري بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية".. كما يؤكد بأن هذا النظام غير قابل للإصلاح ، بل يصر – وشقيقه الليبي - على أن يظلا " الأكثر شمولية وطغيانا في هذا العصر !!..

د. عيدة المطلق قناة





*** http://twitter.com/#!/eidehqanah